لست طبيب نفسك !

TT

أنا واحد من الملايين الكسالى الذين لا يذهبون إلى الأطباء كلما أحسوا بوجع في مكان ما، وليس بسبب أنني لا اعرف الطريق إليهم، فأنا أعرف منهم الكثيرين الممتازين والحمد لله. ولكن سبب ذلك أن أوجاعي قد عرفها الأطباء وشخصوا لها الدواء. ولذلك فأنا أقوم بتكرير الدواء من تلقاء نفسي. وهذه غلطة لأن الأوجاع تتشابه في الجسم الانسانى، ولكن أسبابها تختلف. بل ان الأمراض تتشابه أيضا. ولكن أسبابها تختلف، ومصادر الألم تختلف. وغلطة أخرى أن الدواء إذا وصفه الطبيب فان هذا الدواء يفقد مفعوله بعد تناوله فترة طويلة..

هذا إذا كان الإنسان يتناول دواء واحدا.. ولكن من النادر أن يحدث ذلك. فالإنسان يتناول أكثر من عقار في وقت واحد ولأسباب مختلفة كأن يصاب الإنسان بصداع وإمساك وارق وحموضة.. ومن الممكن أن يكون ذلك كله بسبب الإمساك.. ومن الممكن أن يكون بسبب الأرق وقلة النوم.. ولكن من الذي يستطيع أن يفصل في هذه الأعراض.. لا بد أن يكون الطبيب، أو تكون أنت في غياب الطبيب، أو بسبب حرصك على أن تتصرف من تلقاء نفسك كأنك طبيب.

وفى يوم قررت ألا أتناول أي دواء. مهما كانت الأسباب وسوف أجرب كيف يكون الإنسان طبيعيا.. أي يعتمد على قواه الذاتية.. فالمعدة يجب أن تدبر حالها والدماغ يجب أن يعتدل فوق الكتفين.. ولن أعطي أية غدة من الغدد عكازا تتوكأ عليه، من أجل القيام بوظيفتها ومساندة بقية الغدد الأخرى..

وأحسست كأنني كنت أمشي على عكاز، وألقيت بالعكاز، وكأنني كنت أضع منظارا طبيا، وكسرت المنظار، وكأنني كنت أضع سماعات على أذني وخلعت السماعات.. وأنا الآن مثل الطائرة الشراعية أعتمد على تيارات الهواء.. ولست طائرة عادية لها محركات وجناحان وذيل وطاقم من الطيارين والمساعدين.. فجأة وجدت نفسي وحدي، مجردا من أية مساعدة خارجية. فماذا حدث؟!

لا شيء قد حدث. لا شيء إلا خوفي من أن يحدث أي شيء.. ولم يقع أي شيء. وظللت أرقب نفسي لا شيء.. وأتوقع ان يحدث شيء ما في مكان ما لسبب ما.. ولم يحدث في العين أو في الأذن أو في المعدة ومددت يدي أقرأ وأكتب وأروح وأجيء لا شيء..

واسترحت إلى حالي وقلت: كل شيء طبيعي. وأحسست بالسعادة لما حدث. ومددت يدي لا شعورياً إلى بعض الأقراص وابتلعتها. ونسيت في غمرة الفرح هذه أن هذه التجربة لم تستغرق سوى ساعة واحدة.

ولكن أهم ما خرجت به هو: أن عدم تناول الأدوية عادة سيئة.. وأن تناولها عادة أسوأ!