التعليم في العراق وغول الطائفية

TT

أثارت شخصيات في النجف الأسبوع الماضي مرة أخرى، موضوع مطالبة المرجعيات الشيعية بتغيير المناهج الدراسية في العراق.

وقال الشيخ خالد النعماني نائب رئيس مجلس محافظة النجف في تصريحات نشرتها «الشرق الأوسط» إن المرجعية أكدت ونبّهت لهذا المطلب مرارا وتكرارا، واستدعت وزير التربية لإبلاغه، مضيفا «أن من حق كل طائفة أن تدرس أفكار طائفتها». كذلك قال منذر الحاتمي عضو مجلس محافظة النجف إن «من حقنا دراسة تاريخنا ومن حق الآخرين فعل ذلك».

مثل هذا الكلام، رغم حرص قائليه على أنه ليس حديثا طائفيا، إلا أنه لا يمكن أن يفهم إلا في سياق النزعات الطائفية التي تجتاح العراق اليوم، سياسة وثقافة وتسلحا. فالساحة السياسية اليوم باتت موبوءة بالطائفية، والسلاح في الشوارع يتحدث بلغة طائفية، وعمليات التهجير التي جرت للكثيرين كانت بفعل ضغوط أو مخاوف طائفية، بل حتى المناقشات لقضايا النفط والاقتصاد والتعيينات باتت مغلفة بالمحاصصة الطائفية.

هذا الواقع أصبح يهدد العراق، ويثير مخاوف كل الحادبين عليه.

صحيح أن شيعة العراق لديهم مظالم وشكاوى من ممارسات النظام السابق، وهو أمر لا ينكره أي منصف. لكن ما لا يمكن إنكاره أيضاً أن ظلم النظام السابق طال أيضا السنة، مثلما طال آخرين. فالواقع أن نظام صدام لم يكن عادلا إلا في توزيع الظلم والقمع على العراقيين كافة. وإصلاح أخطاء النظام السابق، لا يكون بارتكاب أخطاء أكبر وأفدح، لأن الحكمة تقول إن خطأين لا يصنعان صوابا واحدا، وارتكاب خطأ جديد، لن يصحح ما حدث في الماضي، بل سيضيف خطأ آخر.

لقد دفع بلد مثل لبنان ثمنا باهظا بسبب الطائفية وما جرته على البلد من ويلات داخلية وتجاذبات خارجية. وقد تسربت هذه الطائفية المقننة دستوريا إلى التعليم، الذي يفترض رسميا أن مناهجه موحدة، لكن الواقع يشهد بأنه بات موسوما في كل منطقة بواقعها الطائفي، وهو أمر يجعل مستقبل لبنان، مثل ماضيه وحاضره، عرضة للتمزق والتشتت.

إن الطائفية في التعليم أخطر من طائفية الدستور، فالتعليم هو عماد التنشئة للأجيال المقبلة، وستكون جريمة كبرى، أخطر من كل جرائم نظام صدام لو أصبح التعليم مسرحا لصراعات السياسيين، أو ساحة للمبارزة الطائفية القبيحة التي نراها في العراق اليوم. ولو كان للعراق أن يتعافى من كثير من الظواهر التي أطلت برأسها، وبدأت تثير المخاوف من حروب أهلية تمزقه، ومن نعرات طائفية تنهشه وتهدد مستقبله ووحدته، فإن التعليم يجب أن يبقى بمنأى عن التجاذبات الطائفية، بل ويفترض أن يكون أي تعديل للمناهج هو ما يرسخ وحدة العراقيين، ويبتعد عن أية إشارات طائفية.

إن من مصلحة العراق والحادبين عليه، أن يقفوا بشدة ضد أي مشروع لتجزئة التعليم وحقنه بجرعات طائفية، من شأنها ترسيخ التباعد والإضرار بالأجيال المقبلة. فالمدارس والجامعات يجب أن تبقى حصونا ضد تكريس الطائفية، مثلما أن من المصلحة أن تكون المناهج أداة توحد لا تفرق، ونهجا لتربية الأجيال تربية بعيدة عن المزايدات السياسية أو المحاصصات الطائفية.

لقد تمتع العراقيون في السابق بروح أوجدت مساحة من التعايش، والحفاظ على مثل هذه الروح، هو الحفاظ على مستقبل العراق وتحصينه ضد التجاذبات الطائفية الداخلية منها.. والخارجية.

[email protected]