دور سعودي عالمي

TT

ليس جديدا أن نقول بأن الدور السعودي في فترات تاريخية مختلفة قد تجاوز المنطقة، لتصبح المملكة العربية السعودية لاعبا عالميا لا إقليميا فقط. ففي قرار الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز فيما يخص المقاطعة النفطية في حرب 1973، أخذ الدور السعودي بعدا عالميا من حيث الفعل ورد الفعل، حيث قامت الدنيا ولم تقعد حول القرار وتداولت الصحافة العالمية دور السعودية الطامح إلى الخروج من الدائرة الإقليمية إلى الدائرة العالمية. الشيء نفسه حدث عندما قام الملك الراحل فهد بن عبد العزيز باستدعاء قوات من جميع أنحاء العالم لتكون التحالف الذي أخرج صدام حسين من الكويت عام 1991. هاتان لحظتان فارقتان في تاريخ السياسة الخارجية السعودية. وقد دار حديث مشابه عن الدور السعودي في الصحافة العالمية، عندما أطلق العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز مبادرته للسلام في بيروت عام 2002، والتي تبعتها مجموعة من المبادرات السعودية الخاصة بالحوار الوطني الداخلي، والحوار بين «فتح» (السلطة الفلسطينية) و«حماس» في مكة المكرمة.

اليوم تدخل السياسة الخارجية السعودية مدارا جديدا (new orbit)، باختيارها من ضمن مؤتمر دول العشرين التي اجتمعت في واشنطن يوم السبت الفائت لبحث قضية أوسع وأكثر إلحاحا من قضايا الشرق الأوسط، قضية تهم العالم كله وليس منطقتنا فقط. وحضرت السعودية كدولة عربية وحيدة تشارك في هذا الشأن العالمي. هذا الحضور لمؤتمر اقتصادي عالمي هو بمثابة اعتراف دولي بأهمية الدور السعودي. ودخول السعودية ضمن نادي العشرين، ربما هو مجرد خطوة لطرح السعودية كعضو في مجموعة الثمانية. هذا الطرح كان قد تطرق إليه المجتمعون في سويسرا العام الماضي من رؤساء ووزراء سابقين في أوروبا ممن أوصوا بدخول السعودية ضمن مجموعة الثمانية الكبار. هذا على المستوى الاقتصادي العالمي، أما على المستوى السياسي الثقافي، فقد استطاعت السعودية حشد عدد كبير من الدول التي حضرت على مستوى القمة، مؤتمر حوار الأديان في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، حيث حضر المؤتمر ما يقرب من خمسين زعيما سياسيا عالميا وكبار رجال الدين، بمن فيهم شيخ الأزهر.

مؤتمر حوار الأديان في الأمم المتحدة هو ضرورة للعالم الإسلامي، كما هو ضرورة للغرب. في العالم الإسلامي تكمن أهمية المؤتمر في كبح جماح قوى التطرف، وفي الغرب يكون المؤتمر بمثابة جهد عالمي تحت رعاية المظلة لمكافحة ما يمكن تسميته بالخوف غير المبرر من الإسلام والمسلمين، أو ما اصطلح عليه بالإسلاموفوبيا. إذن، الموضوع له شقان أساسيان، شق مقاومة التطرف في العالم الإسلامي، وشق آخر يناهض الإسلاموفوبيا في الغرب. وهنا تكمن الأهمية الاستراتيجية لمبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز الخاصة بحوار الأديان، وانطلاقة ثاني فعالياتها في الأمم المتحدة لوضعها في سياقها الصحيح.

مبادرة الملك عبد الله، كما ذكرت في مقال سابق، تمثل السياق الثقافي الذي تتحرك فيه القضايا الاستراتيجية الكبرى من قضية فلسطين إلى قضية كشمير. حوار الأديان هو الداعم الثقافي والحضاري الذي سيقوي الكثير من المبادرات الدولية ويهيئ المناخ العام لإنجاحها. فمثلا، عندما يكون هناك حوار بين اليهودية والإسلام، كدينين سماويين، فمعنى ذلك أنه قد بدئ في بناء الجسور الثقافية الإيجابية بين اليهود والمسلمين، مما يجعل مناخ السلام ممكنا إذا ما بذل السياسيون جهودهم. وفي هذا السياق، تكون مبادرة الملك عبد الله لحوار الاديان هي الإطار الأرحب والأوسع الذي يحتضن مبادرته للسلام العربي الاسرائيلي. إذا فهم الغرب هذه المبادرة بعمقها الكبير، فإن الأفق سيكون مفتوحا لفهم أوسع للمشاكل القائمة بين الغرب والمسلمين.

وبالأخذ في الاعتبار، الحضور الغفير لمؤتمر حوار الأديان في الأمم المتحدة والذي تحدث فيه كل من العاهل السعودي والرئيس الأميركي جورج بوش، إضافة إلى مشاركة السعودية، الدولة العربية الوحيدة وللمرة الأولى، في المؤتمر الاقتصادي العالمي لمجموعة العشرين في واشنطن، يتضح من خلال هذين المؤتمرين اللذين اضطلعت فيهما المملكة العربية السعودية بدور ريادي، أننا أمام دور سعودي عالمي جديد. الحديث عن هذا الدور في العلاقات الدولية صعودا أو هبوطا، غالبا ما يثير جدلا بين محب لدور سعودي أكبر، وبين كاره لتعاظم هذا الدور. ولكن قلة ممن يناقشون هذا الدور، يتنبهون إلى متغيرات العلاقات الدولية كساحة لحركة الدول أو من خلال النظريات المعروفة في العلاقات الدولية كعلم. لا شك أن الدور السياسي الذي تقوم به السعودية على المستويين العربي والإسلامي هو من أكثر الأدوار أهمية، فللسعودية مكانة في العالم العربي بصفتها مهد العروبة، كما لها مكانتها عند جموع المسلمين بصفتها حاضنة الحرمين الشريفين، مما يجعلها محط أنظار المسلمين عندما تلم الملمات، فهي التي ساعدت مسلمي أفغانستان ضد الروس، وكذلك ساعدت أهل البوسنة والهرسك ضد العدوان الصربي. إضافة إلى دورها في مسألة كشمير ومسلمي الشيشان. هذا الجهد السعودي ينظر إليه المسلمون بالتقدير، وفي الوقت نفسه يراقبه الغرب بحذر شديد.

الغرب، ومنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ينظر إلى أي تحرك سعودي بحذر، وكان ذلك واضحا من ردة الفعل الغربية عندما أعلن في القمة السابعة والعشرين لدول مجلس التعاون الخليجي، والتي عقدت في الرياض عام 2006، أن دول الخليج عازمة على إنشاء برنامج مشترك لتطوير الطاقة النووية السلمية، وتأكيد هذه الدول على فكرة الاعتراف بحق أي دولة في امتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية. هذا الإعلان أثار وقتها شكوك الكثيرين في الغرب ودفع إلى السطح بالحديث عن دور سعودي متزايد، خصوصا بعد أن قامت المملكة بشراء صفقات مختلفة للتسلح.

ويجب بالطبع ألا يغب عن الأذهان، أننا نتحدث هنا عن أهم دولة نفطية لها قدرة كبيرة في التأثير على سعر برميل البترول على المستوى العالمي، وعليه في كفة الميزان في سوق البترول، تلك السلعة القادرة على نقل الاقتصاد العالمي من حالة الرخاء إلى حالة الكساد والعكس. إذن نحن أمام أسئلة كثيرة حول الدور السعودي الذي يتعدى المنطقة وحدودها السياسية والاقتصادية. فهل ما زالت السعودية مجرد دولة خليجية ـ أو حتى دولة شرق أوسطية؟ لدينا اليوم سؤال كبير عن مستقبل الدور السعودي، وعن مصادر تعاظم هذا الدور.

تعلمنا في مدارس العلاقات الدولية، بأن هناك مصادر مختلفة لتحريك السياسة الخارجية للدول. هذه المصادر بحسب أستاذنا كينيث والتز هي: إما البيئة الدولية أو قوة الدولة ذاتها، أو القيادة كما ذكر في كتابه الكلاسيكي المعروف «الانسان والدولة والحرب»Man, the State and War . يمكن القول بأن الدور السعودي قد كبر وتعاظم في مساحات فراغ عالمية في النظامين الاقتصادي والسياسي، فهناك حالة تخبط عالمية على مستوى السياسة والاقتصاد، وتلك فرصة لصعود أو هبوط الدول.

في هذا الجو من التخبط العالمي، يجب على العالمين العربي والإسلامي دعم الدور السعودي لكي يمثل العرب والمسلمين عالميا، من دون حساسيات قد تضيع علينا هذه الفرصة. ليس المهم من يلعب هذا الدور، سواء أكانت السعودية أم غيرها من الدول العربية، المهم هو تعظيم المصالح العربية بدلا من تشتيت الجهد العربي والإسلامي بدافع الغيرة بين القادة أو بين الدول.