مؤسسة الفكر العربي ومؤتمر القاهرة

TT

للعام السابع على التوالي تعقد مؤسسة الفكر العربي التي أسسها الأمير خالد الفيصل في عاصمة الكنانة مؤتمرها السنوي الكبير عن ثقافة التنمية في الوطن العربي بكل ملابساتها وهمومها. وهكذا اتيح لنا ان نلتقي مع بعضنا البعض في رحاب فندق ضخم بمدينة نصر لكي نتناقش حول هذا الموضوع الذي سيشغلنا طيلة عدة عقود من السنين حتى تكون بلادنا قد تطورت وحققت تنميتها بالفعل، وقد شارك في المؤتمر العديد من الشخصيات والمثقفين العرب، نذكر من بينهم أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب المصري، الذي ألقى محاضرة عصماء مطولة حظيت بالاعجاب والتصفيق.

ونذكر ايضا على سبيل المثال لا الحصر المفكر علي اومليل سفير المغرب في لبنان، والسيد ياسين، وأحمد كمال ابو المجد، وفاروق الباز، وعلي حرب. هذا بالإضافة الى الأمير خالد الفيصل نفسه وهاني هلال وزير التعليم العالي في مصر اللذين افتتحا المؤتمر. ولا ينبغي ان ننسى محمد الرميحي من الكويت ومصطفى حمارنة من الاردن وآخرين عديدين أعتذر عن عدم ذكر اسمائهم. وبعد ان استعرض الأمير المؤسس أهداف المؤسسة والمؤتمر. تحدث احمد فتحي سرور عن نقاط القوة عند العرب ونقاط الضعف وقال: إن عناصر القوة لدى العرب تتمثل في الطاقات البشرية، والموارد الطبيعية، والموقع الاستراتيجي والحضارة الانسانية التي نملكها وكذلك تفاعلها الثقافي مع مختلف الحضارات.

اما عناصر الضعف، فتتمثل في اعتماد بعض الدول على البترول فقط كمورد اساسي وعدم وجود تنوع كاف في الموارد الاقتصادية. هذا بالإضافة الى وجود طاقات بديلة، تضعف من الاعتماد على البترول. ومن نقاط ضعفنا ايضا اتجاه معظم الدول العربية الى استثمار أموالها في الخارج بدلا من توظيفها داخل العالم العربي لتنميته والنهوض به، وهذا ما يجعلها فريسة للضغط السياسي الدولي والأزمات المصرفية العالمية التي تسببت بها بلدان الشمال. ولا ينبغي ان ننسى المشكلات السياسية الدولية كالنزاع العربي الاسرائيلي وما يفرضه علينا من نفقات ضخمة للتسليح. وكل ذلك يتم على حساب التنمية. وكذلك احداث الارهاب وتأثيرها على الاستقرار الداخلي للبلدان العربية ومواردها الوطنية. هذا من دون ان ننسى احتلال العراق والحرب الاهلية في الصومال ومختلف الزعزعات هنا او هناك.

وأدان احمد فتحي سرور وهاني هلال والسيد ياسين وسواهم التأثير السلبي للعولمة علينا وارتدادها بالفائدة فقط على دول الشمال الغنية. ودعوا الى تشكيل تكتل اقتصادي عربي وعدم الاعتماد على الخارج فقط بعد اليوم. فلن يحل مشاكل العرب غير العرب.

فالعولمة الحالية جائرة وغير ذات وجه انساني ولا تهتم الا بمصالح الاقوياء والدول الصناعية الكبرى. وردا على سؤال حول مقايضة الغرب بفتح اسواقنا امام سلعه ومنتجاته مقابل سماحه بنقل التكنولوجيا العليا الينا قال هاني هلال بما معناه: لا نريد هذه المعادلة بعد الآن، لماذا؟ لاننا اذا ما قبلنا بها فسوف نظل مستوردين للتكنولوجيا وتجهيزاتها وآلاتها الى أبد الآبدين. وسوف نظل تابعين للغرب او للشرق. وبالتالي فالحل الوحيد هو ان نصنع التكنولوجيا نحن بأيدينا وبواسطة علمائنا وخبرائنا ومختبراتنا وعبقريتنا الخاصة. وقد أيده احمد فتحي سرور في ذلك ودعا الى تأسيس جامعات عربية خاصة بالمتفوقين وأصحاب المواهب فقط من اجل ان يتشكل عندنا جيل من العلماء الشباب العرب في كافة العلوم الدقيقة من فيزياء وكيمياء ورياضيات وهندسة وسوى ذلك. فهذه هي الطريقة الوحيدة للخروج من التخلف والتبعية والعجز. فلا تنمية عربية بدون علم عربي ومختبرات عربية وصناعة عربية وفلسفة عربية أيضا..

وأما كاتب هذه السطور فقد قدم مداخلة عن الاصلاح الديني بصفته شرطاً أساسياً لتحقيق التنمية أو نجاحها في العالم العربي. وعلى الرغم من ضيق الوقت الا انه أتيح لي أن أمرر بعض الأفكار والأطروحات. وقلت بأن حضارتنا الكلاسيكية توقفت عندما تغلب العقل اللاهوتي على العقل العلمي والفلسفي نهاية القرن الثاني عشر. وبالتالي فينبغي ان نعيد للفلسفة دورها في الجامعات والمدارس العربية اذا ما أردنا ان ننهض فعلاً. وعندئذ لا تعود المساحة محتلة فقط من قبل التيار السلفي الماضوي أو تيار العلوم النقلية. فنحن بحاجة الى كلا التيارين: الديني والفلسفي وليس فقط الى تيار رجال الدين الذي يسيطر وحده تقريباً على الجماهير الشعبية حالياً. ثم ان التنمية لا يمكن أن تنجح ما دام نصف المجتمع مشلولاً في بعض البلدان العربية أو ممنوعاً من المساهمة فيها. وأقصد به المرأة بالطبع. ولا يمكن ان تخرج المرأة من القوقعة التي عزلت فيها وأطبقت عليها الا بعد القيام باصلاح ديني شامل أو تنوير فلسفي للدين. فنحن نعتز بتراثنا الديني الاسلامي العريق ولا يمكن ان نتخلى عنه. ولكن، هناك قراءتان له لا قراءة واحدة. الأولى ماضوية انغلاقية تكبّل الطاقات، بل وتشلها وتعرقل عملية التنمية. والثانية حديثة، منفتحة، عقلانية تحرر الطاقات وتدفع بالجميع الى الانخراط في عملية التنمية والبناء والعمران. وعلى هذا النحو تتحمل المرأة العربية مسؤوليتها عن النهضة وتطوير المجتمع تماماً كالرجل العربي سواء بسواء. وكل ذلك يتطلب منا احداث ثورة تدريجية في العقليات والنفسيات والسلوكيات. والله الموفق.