أنت فين.. والعلم فين

TT

كثر الحديث عن التقنية الحديثة والاقتصاد الرقمي الجديد، ولكن لا تزال هذه «الديباجة» بالنسبة للكثيرين مجهولة لأنها بلا تفاصيل وبالتالي تفقد القدرة على الاقناع وامكانية الابهار. الاقتصاد عادة ما تتم ترجمته الى وظائف، وبالتالي الوظائف هي المحرك الحقيقي لأي اقتصاد. وعليه فمن المذهل أن تعرف أن الوظائف العشر الاكثر طلبا في عام 2010 لم تكن معروفة ولا موجودة عام 2004! والآن النظم التعليمية في الدول «الجادة» تحضر طلبتها للتخرج والحصول على وظائف غير موجودة بعد وذلك لاستخدام تقنيات لم تخترع بعد وذلك لعلاج وايجاد حلول لمشاكل لا يعرف أنها مشاكل بعد.

وزارة العمل الامريكية مثلا تقدر أن المتعلم اليوم سيكون قد مارس من عشر الى اربع عشرة وظيفة حين يصبح عمره 38 سنة، واحد من كل أربعة موظفين هو اليوم مع شركته لمدة تبلغ أقل من العام، وواحد من كل اثنين هو مع شركته لفترة أقل من خمس سنوات، إنه الحراك العنيف في سوق العمل وتطور الشركات والتهام بعضها البعض.

الاقتصاد المعرفي الجديد يغير بشكل هائل عادات التوظيف وسرعة دوران التوظيف وقيم الأداء، ولم يختصر وينحصر هذا التأثير الهائل على الجانب العمالي فقط ولكنه وصل أن يكون مؤثرا اجتماعيا وبامتياز. ففي الولايات المتحدة الأمريكية واحد من كل 8 أزواج تزوجوا عن طريق الانترنت العام الماضي، فالمجتمعات الافتراضية باتت «أمما» جديدة ومؤثرة، هناك مواقع اجتماعية فيها من المسجلين ما يفوق الـ 200 مليون شخص للموقع الواحد.

إنه زمن الاقتصاد المعرفي ورأس المال البشري، والارقام تتحدث عن نفسها بما يشبه الاعجاز. هناك 31 بليون طلب بحث على موقع جوجل كل شهر، في عام 2006 كان هذا الرقم 2.7 بليون فقط! واليوم لم يعد للانترنت وحدها الوقع الكبير على حياة الناس، فهناك الرسائل القصيرة على الهواتف المحمولة.

يسجل التاريخ أن أول رسالة قصيرة تجارية كانت في شهر ديسمبر 1992، اليوم يفوق عدد الرسائل المرسلة يوميا حجم سكان الكرة الأرضية جميعا. أيضا فلندع الأرقام تتحدث عن الفارق: الراديو حينما انطلق استغرق وصوله لحجم سوق 50 مليونا استغرق ذلك 38 سنة، التلفزيون استغرق ذلك 13 سنة، الانترنت استغرق ذلك 4 سنوات، جهاز المشغل الموسيقي المعروف آي بود استغرق 3 سنوات، موقع التواصل الاجتماعي المعروف بالفيس بووك استغرق سنتين! اليوم تبلغ عدد الكلمات في اللغة الانجليزية 540 الف كلمة أو بمعنى آخر 5 أضعاف ما كانت عليه أيام شكسبير نفسه!

حجم المعلومات التقنية «الجديدة» يضاعف كل سنتين وأن عدد واحد اسبوعي من جريدة النيويورك تايمز فيه من المعلومات ما هو أكثر مما يحصل عليه الانسان طيلة حياته في القرن الثامن عشر! الطلبة الذين سيدخلون التخصصات العلمية لمدة 4 سنوات سيكون عليهم ادراك أن كل ما سيتعلمونه في أول سنة سيكون «تاريخا» قديما في السنة الثالثة! إنه عالم جديد، وعالم مختلف فتحت فيه حدود العقل لرقي الانسان، نعم يساء استخدام هذه الحريات أحيانا ولكن لا يمكن اغفال القيم المقدمة من خلالها.. أين نحن من كل ذلك؟ سؤال معيب!

[email protected]