متى تقول «لا»؟

TT

كانت الأعين في السعودية مسمرة على الكيفية التي ستنتهي بها الاجتماعات الدولية المكثفة، والزيارات المستعجلة، التي يمكن تلخيصها في انها تبحث عن دعم مالي لاسعاف المتضررين من الانهيارات الاقتصادية في انحاء العالم. وكان السؤال القلق في أذهان الناس كم سيبقى من فائضنا المالي، «تحويشة» الفترة الماضية اثر ارتفاع اسعار النفط الذي عاش فرحة قصيرة؟ وكانت الألسن الصامتة تحث... لا تدفعوا، فالوضع الدولي رغم خطورته الحقيقية يجب الا يقدم على الضرورات الداخلية، وان الداخل دائما يجب ان يبقى في المقدمة مهما هبت من عواصف وكوارث وحروب. رغم منطق الحاجة فانه ليس سهلا ان ترفض المشاركة في المسؤولية الدولية، وان تتحدى كل الضغوط الكبيرة، مع هذا يفترض ان تقال «لا» في الزمان والمكان المناسبين.

ثم جاءت كلمة «لا» مهذبة على لسان وزير المالية السعودي ابراهيم العساف عندما اعلن الموقف الرسمي بان بلاده لن تضخ الاموال المأمولة منها للصندوق الدولي، ولن تدفع لأي من الصناديق الدولية الجائعة الأخرى. «لاءات واشنطن» هذه المرة، على غير عادتها، خففت من الصداع العام الذي سببته أصلا انباء انهيارات اسواق البورصة، وافلاس الخزائن المالية البنكية في انحاء العالم. وزاد الهم، هم السقوط السريع لاسعار البترول، الذي ينذر بان السنوات القليلة المقبلة قد تصبح عجافية على المنتجين أمثال السعودية، وأن عليهم ان يدخروا قرشهم الأبيض ليومهم الأسود.

لاشك انه ليس سهلا ان يقال لا وسط موجات الضغوط الكبرى، خاصة انه لم تعد هناك بلدان خارج الاشتباك الدولي، وتحديدا دول النفط، وبالذات التي لديها فائض مالي. والضغوط لم تنته، والأزمة لم يعلن بعد استقرار هبوطها عند رقم او حالة معينة بعد، لذا من الجيد ان تبقى المؤسسة الرسمية قابضة على كلمة لا، تكررها في كل اجتماع ومناسبة حتى تخرج من السرداب المظلم.

الوفرة المالية هي غطاء مالي مؤقت للحاجات الداخلية، لهذا الجيل وليس للاجيال المقبلة، بعد تراجع اسعار النفط. وقد تحققت الوفرة بفضل الاصرار على كلمة لا في السابق ضد المشاريع السياسية الخارجية، ونتيجة الصيام عن كثير من المشاريع الاستعراضية الداخلية، وهذا كله مكن البلاد ذات الحاجات الكبيرة اصلا، من التوفير المالي الذي تطارده اليوم الأيدي الممدوة تطلب المساعدة.

نعرف ان كلمة «لا» ليست سهلة في عالم سياسي مضطرب لا يؤتمن جانبه، حيث لا تدري كيف تنهب الثروات في نزاعات هامشية وحروب عبثيه. انما اذا كان الهدف واضحا بالتركيز على تطوير الداخل، وتنمية الثروة خارجيا، فان ذلك سيعزز وضع الدولة والمجتمع معا، لا الدولة وحدها. فالفائض، الذي يقدر بثلاثمائة مليار دولار بالنسبة للسعودية، في حقيقته ليس ضخما بمقاييس الانفاق الضروري المحلي، خاصة مع خسارة ثلثي مداخيل النفط مقارنة بما كانت تصل اليه في سنوات الانتعاش القصيرة.

[email protected]