طريقان

TT

بدأ القوم بمراجعة مواقفهم من شعار الدولة الفلسطينية وكان من آخرها ما صرح به عمرو موسى، عندما قال انه غدا مجرد سراب. كواحد انفق سنوات عديدة وعزيزة من حياته في الذود عن القضية الفلسطينية نفضت يدي منها في اللحظة التي اصبح فيها هذا الشعار سياسة رسمية يرمون بالخيانة كل من شكك فيه. ادركت بغريزتي انه سيؤدي لتصفية القضية. يعلم الله كم كان صعبا استعادة هذه اللقمة (الأرض المحتلة) من زردوم اسرائيل. المفروض في العقلاء ان يخففوا من الصعوبة لا ان يزيدوها صعوبة على صعوبة. كانت اسرائيل والغرب اكثر استعدادا لإعادة الضفة للملك حسين من إعادتها لياسر عرفات ـ الارهابي في اعينهم. وهي ايضا اكثر انسجاما مع القانون الدولي وقرار الامم المتحدة في إعادة كل شيء الى ما كان عليه.

بيد ان الاخوان رفضوا ذلك وتبنوا شعار الدولة الفلسطينية. لم ذلك؟ دعونا نقولها بصراحة. إنه نفس الهوى العربي القديم: الإمارة ولو على حجارة. الجري وراء المناصب والمكاسب على حساب مصير الشعب.

تعقدت القضية واستطالت وانبرى الصهاينة لاستغلال الوقت في بناء المستوطنات، حتى لم تعد هناك أي أرض تصلح كدولة ووطن. وحتى اذا اتفق الطرفان الآن على إقامة الدولة، فكيف ستقوم؟ لن يرضى المستوطنون بسيادة حكم عربي عليهم. إخراجهم من مستوطناتهم سيؤدي لحرب اهلية بين اليهود لن تجرؤ اي حكومة اسرائيلية على شنها.

دفنت النعامة رأسها في الرمل، ولكنها فتحت عينها مؤخرا لتدرك ان الوقت قد فات، وسبق السيف العذل. انه سراب.

لم يبق غير طريقين: مواصلة الكفاح المسلح وهو مشروع سيتطلب عقودا، وربما قرونا من الزمن، يعاني الشعب خلالها ما يعانيه الآن في غزة واكثر. وربما تعطي اسرائيل الفرصة لطردهم كليا من فلسطين وتصفية الموضوع نهائيا.

الطريق الثاني هو تقبل الأمر الواقع: العيش في دولة واحدة مع اليهود كمواطنين صالحين، التخلي عن السلاح والعنف والاستفزاز، تبني اساليب المحبة الغاندية ومشاعر الاخوة البشرية، حصر النضال في السعي لتحقيق المساواة مع الآخرين في اطر الديمقراطية والشرعية. إنه مطلب صعب على من عانوا الظلم والمذلة كل هذه السنين. فاحتمال الاذى ورؤية جانيه.. غذاء تضوى به الاجسام. ولكنني اذا سئلت فسألقي باللوم على القيادات الفلسطينية التي جرت شعبها الى هذه الهوة. وأصعب ما في هذا الطريق هو أن الاسرائيليين لا يريدونه، ولا سيما بعد كل ما واجهوه من عداء وكره وسفك دماء. إنه موضوع يتطلب جهودا هرقلية لغسل قلوب الطرفين. فليس من السليم للانسان ان يقضي حياته وحياة اطفاله، ويبني تاريخه بقلب مثقل بالهم والبغضاء.

والقي بقسط من هذا اللوم على الانظمة العربية، التي سعت لمداواة ضميرها بإغداق الاموال على القيادات الفلسطينية، بما حول قضية وطنية، الى صناعة وطنية، ينعم في ظلها مئات الناس بثروات ومهابة وعيش رغيد ومترف يحمونه ويعززونه بشعارات وسياسات سلبية تضمن استمرار عجلات هذه الصناعة بالدوران.

www.kishtainiat.blogspot.com