فكر وفكرة

TT

دور العرب في عالم متغير مسألة مقلقة تؤرق الكثيرين ممن لديهم الحس الواعي والضمير المتقد، ولعل أبرز محاولة معاصرة للإجابة على هذا الطرح هو ما تقوم به حالياً مؤسسة الفكر العربي بمؤتمراتها السنوية. وطرح فيها عدد غير بسيط من المحاور اللافتة عن طريق متحدثين بارزين من خلفيات سياسية واقتصادية وثقافية. وأخيراً عقدت المؤسسة مؤتمرها السابع وذلك بمدينة القاهرة. وكانت مناسبة متجددة لطرح بعض المحاور المهمة واللافتة.

والمتابع لمؤتمرات المؤسسة السابقة يجد أن هناك تكرارا بات واضحا وثابتا في الطرح حول نقطة أن «العالم العربي منطقة مليئة بالثروات البشرية والامكانيات والموارد الطبيعية الهائلة» وهي نقطة بات تكرارها مبعث استغراب ومثار دهشة، وحتى مبعث ملل، والمؤسسة بالرغم من برامجها الطموح جدا والذي انطلق في توقيت مليء بالتحدي إلا أنها بقيت أسيرة «طرح الكلمة»، ولم تتمكن من فك قيود الكلمة والانتقال الى ثقافة الرقم والإحصاء وتوظيف الصورة، وهي اللغة التي اثبتت أنها أكثر فاعلية وقوة، ليس على الصعيد العربي فحسب ولكن حتماً على الصعيد الدولي. مؤسسة الفكر العربي ولدت بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر على أمريكا، والتوابع التي حصلت بعد ذلك من اتهامات موجهة ضد الدين الاسلامي والعرب، وأقدمت على مشروع طموح، الغرض منه مراجعه للوضع الثقافي في المنطقة وعرض المشاكل، ومن بعد ذلك تقديم الحلول المقترحة لعلاج هذه المشاكل.

هذه السنة خطت المؤسسة خطوة مهمة ومميزة بطرحها تقريرا شاملا عن الوضع الثقافي في البلاد العربية عبر استحداث معايير ومقاييس يتم من خلالها كشف العلل والأخطاء الموجودة في الحال الثقافي العربي العام.

لا توجد مؤسسة عربية عملاقة انطلقت بدعم مالي هائل من رجال الأعمال العربي وضخوا فيها مبالغ ضخمة ومباركة من الحكومات مثل مؤسسة الفكر العربي، وبالتالي أن الطموح والمتوقع منها كبير جدا. وعليه، فانه كان من المأمول أن تستحدث المؤسسة مؤشرات لقياس التطرف وكذلك نفس الشيء لقياس الحكم الرشيد، وأيضا لقياس الفعالية القضائية، وأكيد أيضا لقياس الفساد، هذه هي الآفات الأخطر التي تواجه العالم العربي وهذه هي الجبهات التي لم يتم التعاطي معها كليا بنفس درجة الحماس والإصرار والجدية مثل غيرها من القضايا الحيوية والتنموية الكاملة. العالم العربي مليء بالمشاكل والعلل والأمراض والتحديات. هذه مسألة قتلت بحثاً، ولكن عدم مواجهتها بشكل واضح وصريح، وتحديد مكامن الخلل والمسؤولية ومعرفة الأسباب والمتسبب، كل ذلك سيولد علاجا ناقصا ومشوها وغير مكتمل. مؤسسة الفكر العربي تقدم ظاهرة ثقافية جيدة، ولكن كل الأمل أن تتحول هذه الظاهرة من احتفائية كلامية الى أدوات جادة لقياس العلل الموجودة اليوم بدون مجاملة ولا تلطيف للحقائق. هناك العديد من الكيانات العالمية المشابهة لمؤسسة الفكر العربي؛ منها من نجح ومنها من فشل، وعادة ما تكون أسباب النجاح التركيز على محاور أساسية ومراقبة أدائها بشكل دوري ومتواصل بدلا من التركيز على الكل وعدم تحقيق النتائج المأمولة بفعالية. مؤسسة الفكر العربي مشروع طموح، ويبقى الخوف أن تتحول هذه الفرصة الى حفلة علاقات عامة ومجاملات بدلا من أن تكون أداة قوية وناجحة للاصلاح والتغيير.

[email protected]