الصحافة معذورة

TT

نعم الصحافة العربية معذورة في تغطيتها لقضية مقتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم فهذه إحدى المرات القليلة التي تجد فيها موضوعا خارج الموضوعات التي أضجرت المحررين والقراء لقضايا سياسية هي منذ عشرات السنين وان اختلفت العناوين، ولم تجد حلا ولا يوجد في الأفق حل لها.

فهدذ المرة نحن امام قضية تجمعت فيها كافة عوامل التشويق لقصة مثيرة، جريمة ومال وعلاقات بعالم النفود والسياسة، وهناك اهتمام بالغ من الرأي العام الذي وجد مادة حقيقية واقعية لم يستطع خيال افضل مؤلفي المسلسلات العربية او التركية او المكسيكية الوصول اليها، ولذلك لا عجب ان تستغل الصحافة كل قطرة في هذه القضية، في الوصول الى قرائها.

لكن هذا لا ينفي أن تكون لمقتضيات العدالة وجهة نظر أخرى كما ظهر من قرار قاضي المحكمة بحظر النشر في هذه القضية بعد سيل التسريبات والمقابلات في وسائل الإعلام لشخصيات مدعية واطراف في القضية وشهود كل يتحدث بوجهة نظره، وحتى يعرض ادلة من ملفات القضية لتدعيم وجهة نظره، ووصل الأمر بمحامين مشتركين في القضية الى تأليف كتب.. 3 كتب حتى الان والقضية لازالت في بدايتها، ولا اشك في ان يكون احد يفكر في فيلم سينمائي.

طبيعي أن يكون للصحافة اهتمامها الشديد بقضية مثل هذه وطبيعي ان يكون لمحكمة وجهة نظر غير مرتاحة لسيل النشر والتعليقات، وهي علاقة جدلية في اي مجتمع بين الاعلام والجهات الاخرى التي تتعامل معها فاذا كان اي مجتمع يعتمد رسميا في تنظيم نفسه على 3 سلطات مقر بها تنص معظم الدساتير للدول عليها للفصل بينها من اجل تنظيم علاقات السلطات وعدم التداخل، وفي الوقت ذاته لضمانة ان يكون هناك نظام محاسبة جيد بين السلطات الثلاث وهي التنفيذية والتشريعية والقضائية، فان كل الدول الحديثة تقر بان هناك ما يصطلح على تسميته بالسلطة الرابعة، وهي وان كانت لا تحظى رسميا بلقب سلطة في أي دستور في اي دولة بالعالم، الا ان هناك شبه اعتراف من المجتمعات بدورها وبأهميتها في علاقات المجتمع ودورها في نقل المعلومات وكشفها للرأي العام بأسلوب يستطيع تفهمه بعيدا عن لغة المتخصصين.

لكن أيضا هناك في العالم خاصة الغربي، وهو الاكثر تطورا في تنظيم علاقات السلطات وحرية الاعلام، ضوابط تحكم كيفية تناول القضايا التي تنظر في المحاكم، وكيفية نقل وقائعها، وتتفاوت هذه الضوابط التي يحترمها الجميع لكنها كلها تتفق في شيء واحد هو عدم التأثير على عملية التقاضي او على قرار هيئة المحكمة.

وفي منطقتنا بقدر ما ان هامش الحركة أمام الإعلام لا نستطيع ان نقول انه يجاري مقدار الهامش الذي تتحرك فيه الصحافة والإعلام الغربيان، الا انه هناك أيضا الكثير من مظاهر الفوضى والسيولة في التفرقة في الأدوار والمهن، فالإعلام يرتدي أحيانا زي القضاة ليفصل ويحكم على الورق او عبر الشاشات، أو نرى قضاة ومحامين تستهويهم الشهرة فيدلون بدلوهم في قضايا لم تفصل بعد عبر الإعلام.

وهدا بالفعل ما يحتاج إلى تنظيم لصالح المجتمع نفسه، ومن اجل تحقيق الثقة في القضاء وفي الإعلام، فلا يصبح كل شيء مثار تشكيك وعدم تصديق، وهو أمر لا يجب ان ينطبق فقط على قضايا الرأي العام والمشاهير ولكن ان يصبح قاعدة يعمل بها الجميع ويحترمونها صغرت او كبرت القضية، فعندما يكون هناك تقليد وقاعدة معمول بها لن يغضب احد، ووقتها سيكون المخالف مثل النشاز.