في الكويت.. كما تدين تدان

TT

زوبعة الكويت هذه المرة مختلفة، فالبرلمان، الذي يعتبر المسرح الدراما عند الكويتيين، رفعَ الستارة عن أخطر قضاياه، حيث يطالب نواب اسلاميون بمساءلة رأس الحكومة شخصياً لأن الحكومة سمحت لرجل دين ايراني بدخول البلاد يُذكر أنه متهم بسبِّ الصحابة.

والقضية قد لا تكون حالة غضب من رجل الدين الايراني فقط، بل ربما تعكس رغبة عند بعض البرلمانيين إحراج كبار رجالات الدولة بالمساءلة، والسعي لإسقاط الحكومة. وإسقاط الحكومة في نظري أهون الشرور لأنه يمكن بكل يسر تشكيل حكومة جديدة. ويرى البعض أكبر من ذلك، ان تتسبب في نبش الفتنة بين الكويتيين الشيعة والسنة. وهناك من يتصورها أكبر من كل ذلك، إذ أن الحادثة تزيد التوتر، لا في الكويت وحدها، بل بين اكبر طائفتين في الاسلام في أنحاء العالم، وهو توتر لم يعرف له مثيل في التاريخ الحديث، خاصة انه لم تنته بعد معركة الشيخ يوسف القرضاوي مع رجال الدين الشيعة الايرانيين الذين اتهمهم بشن حملة ضد السنة، وهكذا.

الأزمة تعطينا دليلا طازجا على حجم الاحتقان الذي يسببه رجال الدين عندما ينخرطون في العمل السياسي وينقلون خلافاتهم اليه، سواء كان رجل الدين الايراني نفسه او الذين اعترضوا على عودته الى الكويت. وقد يستنكر البعض لماذا نقبل بجدل المثقفين، ونرضاه بين السياسيين، لكن نعترض عليه من رجال الدين؛ السبب أن نزاعاتهم تتسبب في حروب ضروس، أما خلافات المثقفين فهي حبر على ورق، إن لم تنفع فإنها لا تضر أحداً.

ولو نظرنا إلى المشكلة في مسرح البرلمان الكويتي سنجد جذورها أقدم قليلا من هذا الأسبوع، حيث دارت ملاحقات برلمانية للفنانات، والحفلات، والكتب، والمقالات، والمسلسلات التلفزيونية، شارك فيها رجال الدين من الجانبين وأفرطوا في تفسير النوايا وأفرطوا في مطالبهم بالعقوبات. الآن المتهم واحد منهم، رجل الدين محمد الفالي، الذي قيل إنه سبَّ في مجالسه الوعظية الصحابةَ. ومع أنني لم أسمع ما قال، ولا أعرف تفاصيل الاتهامات ضده، فان الحادثة تذكرني بأول ملاحقة في وقتنا المعاصر عندما نشر سلمان رشدي روايته «آيات شيطانية». كانت تلك فاتحة الأزمات حيث هيَّجت ايران العالم الاسلامي ضد بريطانيا التي كانت على خلاف سياسي حاد معها. حولت الفتوى الايرانية الرواية المجهولة الى اكثر الكتب انتشاراً حيث بيعت ملايين النسخ منها (الرواية). ايران أصرَّت على تحويلها الى قضية سياسية، فدعت الى عقد مؤتمرات، واتخاذ اجراءات دبلوماسية ضد بريطانيا، وأعلنت عن جوائز ثمينة لقتل المؤلف. صارت الرواية جزءاً من النزاع الدولي. ورداً على الموقف الايراني ظهرت سلاسل من الروايات والكتب والمقالات والأفلام المسيئة جداً للاسلام، ولا زلنا نعاني حتى اليوم من التشويه للاسلام، واشاعة الكراهية ضد المسلمين. وبسبب خلاف سياسي مع البريطانيين، حولت ايران رواية مجهولة الى معركة عالمية على أنها تضمنت قدحاً في الصحابة. ومنذ ذلك اليوم، كثرت فتاوى التكفير ودعوات القتل، واختلط الحابل بالنابل، وجرح وقتل كتاب وروائيون وسياسيون وسينمائيون. والآن جاء الدور على رجال الدين انفسهم حيث انتهينا كما نرى الآن شيوخا يتهمون شيوخا بالقدح والمطالبة بمعاقبتهم.

[email protected]