العلاقات اللبنانية ـ السورية عند الساعة 25

TT

من الواضح أن العلاقات بين سوريا ولبنان، لم تصل، بعد إلى الشاطئ الأمين. وان أمام تطبيع العلاقات ـ ولا نقول تحسنها وبلوغها درجة الأخوة وحسن الجوار ـ مسافة، لسوء حظ البلدين، شاسعة. أو لعلها وصلت إلى الساعة الخامسة والعشرين، أي إلى ما بعد الساعة الأخيرة.

وإلا فما معنى بث ذلك الشريط الاتهامي لتيار «المستقبل» بتمويل تنظيم «فتح الإسلام»، من التلفزيون السوري، قبيل زيارة وزير الداخلية اللبناني لدمشق ببضعة أيام؟ لا سيما أن الاتصالات بين القصرين الجمهوريين قائمة، كذلك بين القيادتين العسكريتين في البلدين؟ ولماذا ردة الفعل اللبنانية على ما جاء، في البيان الختامي لزيارة الوزير اللبناني لدمشق بشأن «التنسيق الأمني لمقاومة الإرهاب»؟ لماذا هذا التخوف من عودة الهيمنة الأمنية السورية السابقة إلى لبنان؟ لماذا هذا الإصرار السوري على وجود جماعات إسلامية متطرفة في لبنان؟

ثم لماذا تجمدت المصالحة بين القيادات السياسية المسيحية؟ لماذا يواصل الجنرال عون تهجمه شبه اليومي على الحكومة التي تضم وزراء من حزبه ومن المعارضين؟

صحيح أن الأوضاع السياسية في لبنان، الآن، هي أفضل مما كانت عليه منذ ستة أشهر، وان التنازع بالكلام وداخل المؤسسات الدستورية أفضل بكثير من الاعتصام في الساحات العامة وقطع الطرق وإحراق الدواليب، ومما حدث في بيروت، في أيار الماضي. ولكن هل يمكن اعتبار الأوضاع السياسية الراهنة، اليوم، ولا سيما العلاقات اللبنانية ـ السورية، مستقرة أو وفاقية أو واعدة؟

كلا، لسوء الحظ. بل هناك شعور بأن الأمور «لن تنقضي على خير»، في الأشهر الخمسة التي تفصلنا عن الانتخابات النيابية، نظرا لما سيقوم به الفريقان المتنافسان، أي 14 آذار و8 آذار، من تأليب وتجييش لمناصريهم بقصد كسب تلك الانتخابات الحاسمة في تاريخ لبنان. بل إن الكثيرين يعتقدون بأن نتائج الانتخابات، أيا كان المنتصر فيها أو الخاسر، لن «تحل المشكلة» الوطنية ـ السياسية العالقة، بل ربما زادتها حدة وقابلية للانفجار.

ومن هنا الاعتقاد بان دمشق لن تتخلى عن «حلفائها» في لبنان، بل ستمدهم بما قد يحتاجونه للتغلب انتخابيا على فريق 14 آذار، وبكل ما يضعف مركز هذا الأخير، أمام الرأي العام اللبناني. أو ما لا يسهل قيام علاقات ودية ـ ندية بين البلدين، كما يريدها كل لبناني، وفريق 14 آذار، في مقدمتهم.

منذ أن قام حسني الزعيم بانقلابه العسكري في سوريا عام 1949، ونظام الحكم في سوريا، يخشى على سلامته وأمنه، من «خطر ما» عليه ينطلق من لبنان، أكثر من أي بلد عربي أو غير عربي آخر. وذلك لعدة أسباب، أهمها أن لبنان مجاور، وانه بلد ذو نظام ديموقراطي، واقتصاد حر، ومتعدد الطوائف، وبالتالي، مؤهل لإيواء المعارضين لنظامه أو العاملين على ضربه.

ولقد ورد ذلك أكثر من مرة في الخمسينيات والستينيات وأدى إلى تدخل الحكم السوري، امنيا وسياسيا، في لبنان، لحماية نفسه من الذين يعملون ضده، أو ضد مصلحته وسياسته، بالتفاهم، حينا مع السلطات اللبنانية، ومن وراء ظهرها، في معظم الأحيان.. إما مباشرة أو عن طريق حلفائه، الذين كانوا يتغيرون مع تغير الظروف والأوضاع في المنطقة، وموقف الحكم السوري منها.

لم يكن من السهل على الحكم والمسؤولين اللبنانيين، تقبل هذا التدخل السوري في لبنان، وإن نجحوا، أحيانا، في استيعابه والتعامل معه (في عهدي الرئيسين شهاب وفرنجية). ولا نتحدث عن نوعية ودرجة هذا التدخل في زمن الحرب اللبنانية الطويلة أو زمن الوصاية التي تبعته.. إلى أن كانت انتفاضة الأرز والقرار 1559، وخروج القوات السورية من لبنان، الذي لم «تهضمه» دمشق، حتى الآن.

ولكن ماذا بعد اليوم؟

ليس من مصلحة سوريا ولا من مصلحة لبنان أن تبقى العلاقات مع لبنان، الدولة والشعب، على ما هي عليه الآن.. ولكن ما الذي يجب على البلدين القيام به، لكي تتحسن العلاقات بينهما؟ لكي تستقيم؟ لكي تكون أخوية ومفيدة للطرفين؟

إن انتصار فريق 8 آذار في الانتخابات اللبنانية القادمة، لن يعيد الهيمنة الأمنية السورية إلى لبنان، ولن يعزز قوة حزب الله عسكريا أكثر مما تعززت بعد حرب صيف 2006. ولن يشكل ورقة قوية في يد سوريا وإيران، في مفاوضاتهما القادمة، سواء مع الولايات المتحدة أو مع إسرائيل. كما لن يمنع الجبهة العربية، التي تشكل السعودية ومصر محورها، والدول الغربية التي تتلاقى معها في النظرة إلى مستقبل الشرق الأوسط، من التصدي للمشروع السوري ـ الإيراني، إنما قد تشكل ذريعة لإسرائيل لعدوان جديد على لبنان وربما على سوريا.

إن الثقة المتبادلة بين دمشق وبيروت، هي القاعدة الأساسية والوحيدة، لكي تستقيم وتستقر العلاقات بين البلدين. وهذه الثقة تتطلب ثلاثة شروط: 1 ـ أن تعترف سوريا، فعلا لا قولا، باستقلال لبنان وسيادته ونظامه. 2 ـ أن تتعاون السلطات الأمنية اللبنانية مع السلطات الأمنية السورية، عبر المؤسسات الرسمية، بإخلاص وشفافية لمنع كل نشاط سياسي أو إرهابي يستهدف نظام الحكم السوري أو نظام الحكم في لبنان. 3 ـ أن يقلع السياسيون والأحزاب في لبنان عن الارتهان بالخارج، إقليميا أو عربيا أو أجنبيا، وعن خدمة مصالح «الآخرين» على حساب مصلحة لبنان الوطنية وفي مقدمها الوحدة الوطنية بين اللبنانيين.

وإلا فان على اللبنانيين، والسوريين، أن ينتظروا نتيجة المحادثات العربية ـ الإسرائيلية، ونهاية الحرب على الإرهاب، والمجابهة الأميركية ـ الإيرانية، وربما مآل الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن، (ولا ننسى الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية) قبل أن تقوم بين البلدين «الشقيقين» علاقات أخوية؟!

وقد يطول الانتظار سنوات. ولن تكون الانتخابات النيابية القادمة في لبنان سوى محطة صغيرة في هذا الطريق الممتد نحو المجهول.