حرية الصحافة وإشكاليات التربية!

TT

في تقارير منظمة «مراسلون بلا حدود» حول واقع الحريات الصحافية في العالم، دائما ما تخلو قائمة الخمسين الأكثر ممارسة لحرية الصحافة على مستوى العالم، من اسم أية دولة عربية، حيث تتفاوت مواقع الدول العربية في القائمة بعد ذلك تقدما وتأخرا.. وعلى الرغم من التحليلات المتعددة لهذا الغياب، إلا أنني أجد الكثيرين لا يضعون النظام التربوي العربي العام ضمن منظومة العوامل المؤثرة، فالحرية في الغالب ليست قرارات تمنح وتمنع، بقدر ما هي جوهر يتصل بالتربية والنشأة ونمط الحياة الاجتماعية السائدة، فمنذ السنوات الأولى للطفل في الأسرة العربية، يشعر أن ثمة سلطة ضابطة ضاغطة مبالغة يمثلها الأب في الثقافة التقليدية تفرض عليه الكثير من السلوكيات التي قد لا تتفق مع خصوصياته على مستوى طرائق اللبس والأكل واللعب والتعبير والحركة وجل نواحي السلوك، ثم ينتقل هذا الطفل بعد ذلك من البيت إلى المدرسة فيصطدم بمجموعات كبيرة جدا من النواهي والمحظورات والممنوعات حتى لتغدو المدرسة في عيون الصغار عالما كبيرا من اللاءات، ومن المدرسة إلى المجتمع لتكتمل منظومة القيود التي يصبح الفرد جزءا منها، ويسعى هو بعد ذلك إلى توريثها لأبنائه من بعده.. فالحرية ـ في مختلف مستوياتها ـ تحتاج إلى إقرار حق الاختلاف، فمبدأ الاستقلالية الذي هو غاية من غايات التربية الحديثة لم ينضج مفهومه بعد في مؤسساتنا التربوية العربية، وقد يربط البعض بينه وبين الانفلات وفقدان الرقابة وانعدام التوجيه.

إن الحرية الصحافية المتعثرة في عالمنا العربي، ليست أمرا منفصلا عن السياق العام لحياتنا التربوية، وأن إصلاح الأمر يتطلب نقد أساليبنا التربوية لمعرفة مكامن الخلل في مخرجاتها، فحرية الصحافة تسبقها بالطبيعة حريات أخرى يكتسبها الإنسان عبر مراحله التكوينية المختلفة، تقود إلى استقلاليته كإنسان له رؤاه وتجاربه ومفاهيمه، فبالتربية وحدها نستطيع ترسيخ مفهوم الحرية المسؤولة.

وبصرف النظر عن منظمة «مراسلون بلا حدود» وتقاريرها التي قد يختلف البعض حول معاييرها، فإن حرية الصحافة في عالمنا العربي هي ناتج إشكالية تربوية في الدرجة الأولى يتقاسم وزرها الجميع.

[email protected]