موحشة تدور في العالم العربي

TT

قلت للرجل الذي أجلس إلى جانبه، هل عندك أخبار عائلة علي صالح السعدي؟، قال، الابن البكر، فارس، مهندس مستقر في الإمارات. وابنته مهندسة أيضاً. سألته، وأرملته، هناء، قال تحت عناية الابن والابنة. جميعهم في خير. أضاف، أنا أتابع أخبارهم لأن فارس من عمر ابني زياد. رفاق درب. تقريباً كما كنا. أنا وعلي.

قلت له، هذا كوكب دوار بلا أي شك. سبحان الله. كان علي صالح في مرحلة ما يملأ الأمكنة. طارت شهرته في التاريخ عندما بعث بتلك البرقية الشهيرة ضد الانقلابيين: اسحقوهم حتى العظم. وظن الناس أنه حجاج آخر. ثم دارت الأرض ورأى نفسه في المنفى. وقد تعرفت إليه في باريس، في مقهى السان ميشال. كان يأتي إلى هناك تقريباً كل مساء. لا عظام تسحق ولا فلول تطارد. معه كتاب عربي لأنه لا يقرأ الفرنسية. وكنا نجلس معاً. وإذ يمعن المساء في الليل يتغير حديث السياسة إلى حنين. ويبكي علي صالح السعدي دون بكاء. يريد رؤية عائلته ومناضلته، هناء. وبعد سنوات جاء إلى بيروت وأخذ يجلس في «الهورس شو» على مقربة من مبنى «النهار». وكان يطلب أن أوافيه، فأعتذر، أنا هنا عامل والوقت ليس لي.

وقلت للرجل الذي أجلس إلى جانبه، كانت بيروت يومها قد اكتظت بالرفاق الذين نفوا بعضهم بعضا. والتقى الخصوم في مقهى واحد. بؤساء يائسون ويحلمون بأرضهم. ولم يعد علي صالح علامة فارقة أو لافتة للنظر. صف طويل من الرفاق يتقدمهم أكرم الحوراني، ذات يوم أكثر زعماء سورية شعبية، ذات حقبة نائب جمال عبد الناصر في الجمهورية العربية المتحدة.

غريبة هذه الكرة، قلت للرجل الذي أجلس إلى جانبه في مجلس الشيخ نهيان بن مبارك. وعلى مقربة يجلس الأستاذ محمد المحمودي، جزء من تاريخ تونس البورقيبية. وأرفع يدي محيّياً وزير بورقيبة: لا باس يا مولانا؟. فيجيب من فوق رؤوس الجالسين: يِعَيشك. لقد ضمّ هذا المجلس القائم بين النخيل والبحر في هدوء ساكن، قادمين كثيرين جاءوا من بلاد الثورات الفاتحة، هنا كان عبد العزيز بوتفليقة، قبل أن يعود رئيساً ثلاثياً. وهنا كان الراحل عبد الحميد البكوش، المفكر والشاعر والأديب، الذي منعت عليه أرضه حياً وتراباً.

موحشة دورة الأرض في القسم العربي منها. وقاسية. ولا يعثر الثوار على الطمأنينة إلا في مستقر الإمارات والممالك. وأعد الأستاذ محمد الصحاف بأنني سأنقل تحياته إلى الأصدقاء المشتركين. وجميعهم دارت بهم الأرض.