روسيا وقضايانا الوهمية

TT

بدأ القضاء الروسي مطلع الأسبوع الحالي النظر في قضية اغتيال الصحافية الروسية المعارضة آنا بوليتكوفسكايا التي اغتيلت قبل عامين. فهذه الصحافية النشطة التي قتلت بدم بارد أمام منزلها كانت من المعارضين البارزين لسياسات الرئيس الروسي السابق ورئيس الحكومة الحالي فلاديمير بوتين. وقد وجهت أصابع الاتهام بعد مقتلها إلى القيادة الشيشانية الموالية لموسكو لأن الصحافية المغدورة كانت شنت حملة واسعة ضد انتهاكات حقوق الانسان في الشيشان.. ورغم المحاولات الحثيثة لتحجيم قضية من هذا النوع في موسكو بحيث وصف بوتين عملية الاغتيال حينها بأنها جريمة قتل عادية إلا أن الاهتمام بقضية بوليتكوفسكايا بات عالمياً لا روسياً فقط، خصوصاً أنها حادثة الاغتيال الثالثة عشرة التي تقع بحق صحافيين معارضين خلال فترة تولي بوتين للرئاسة. صحيح أن بوتين اليوم هو رئيس للحكومة، لكنه لا يزال السيّد الفعلي للكرملين وقد بدأت تنتشر تسريبات صحافية عن تطلع بوتين للعودة إلى الرئاسة من خلال انتخابات مبكرة عام 2009.

لماذا الحديث عن محاكمة بوليتكوفسكايا وبوتين؟

ربما لأننا نحن العرب نحتاج أن نتفكر أكثر في ما يتعلق بنظرتنا وعلاقتنا بروسيا وببوتين تحديداً وهي نظرة تحكمها ازدواجيات وتناقضات هائلة. صحيح أن بوتين يحظى بموقع وإعجاب غربيين، حتى الصحافة الغربية كالت له الكثير من الثناء وقد أسبغت عليه العام الماضي مجلة «تايمز» الأميركية صفة رجل العام. لكن هذا الإعجاب والثناء لم يستطع أن يحجب الوقائع والتساؤلات حول الحريات وأوضاع حقوق الانسان في بلاده وتحت إمرته بل على العكس. بالكاد تخلو وسائل إعلام أوروبية وغربية عموماً من تقارير ومعلومات عن أوضاع الحريات والفساد تتهم بها مباشرة إدارة بوتين.

حين زار بوتين ألمانيا بعد اغتيال الصحافية بوليتكوفسكايا جوبه بتظاهرات هتفت ضده : «مجرم.. مجرم». لكن في العالم العربي، يغلب على النظرة إلى بوتين الكثير من الإعجاب والتماهي إلى حد التكاذب.. بوتين أعاد الاستقرار إلى روسيا وزاد من نموها الاقتصادي وهذب بالقوة كلا من الشيشان وجورجيا ويسعى إلى كسر الهيمنة الأميركية في العالم متظللا بالعدالة الدولية. إنها عناوين سريعة يستدعي كل منها التأمل ملياً.. أليس بوتين من أكد على سياسة خارجية مستقلة عن الولايات المتحدة ومسرح التطبيق النموذجي لها هو الشرق الأوسط!!. روسيا تبيع إيران مفاعلا نوويا لأغراض سلمية وتشدّ على عضد سوريا وتمدها وحزب الله وحماس بالسلاح لمواجهة الأحادية الأميركية. السياسة الأميركية الخرقاء في المنطقة دفعت بزعماء كثر إلى إعادة التموضع والتركيز على روسيا..

كثيرون في بلادنا يغضون الطرف عن انتهاكات كبرى حصلت في الشيشان وجورجيا وروسيا فعموم التوجهات الروسية اليوم تفسر على أنها مفيدة للسلام العالمي. المعادلة ذاتها تتكرر. لا بأس بهضم جرائم وانتهاكات على مذبح قضية أكبر. على هذا النحو قبلنا أنظمة كان على رأسها أشخاص مثل صدام حسين. الأمر نفسه يتكرر في روسيا. لكن أيضاً لا بأس بذلك على مذبح قضايانا الوهمية.

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام

diana@ asharqalawsat.com