رقصة في البيت الأبيض

TT

لا يعتبر البيت الأبيض مجرد مقر للرئيس الأمريكي، بل ولا حتى مجرد مبنى للمفاوضات ووضع السياسات وتوقيع الاتفاقات وإطلاق التصريحات من حديقة الورد. ينظرون إليه أيضا كمرآة تعكس جوهر الولايات المتحدة بشتى ميادين حياتها وحضارتها. ومن ذلك أنهم خصصوا ليلتين في الشهر لتنظيم حفلات موسيقية لإحياء تراث أمريكا في هذا الميدان. يجري ذلك في الصالة الشرقية التي تستوعب نحو مائتي ضيف. وبالطبع لا يمكن لرئيس دولة أجنبية، مهما كانت صغيرة أو كبيرة، وفيها نفط أو لم يكن فيها، وحتى إذا لم تكن صديقة لإسرائيل، إلا ودعوه للمشاركة في إحدى هذه الحفلات الموسيقية. اقتضى البروتوكول أن يسألوا الضيف عما يحب سماعه من تراث أمريكا الموسيقي. طلب الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان أن يعزفوا له بعض الموسيقى الكلاسيكية. وفضل الرئيس الألماني الاستماع لغناء أوبرالي. الحمد لله أن صدام حسين لم يزر الولايات المتحدة ويخلق لهم هذه المشكلة، وهي أن يطلب الاستماع للكيوليه (الغجر) بمصاحبة الرقاصة ملايين. بيد أن ضيفاً عربياً آخر حل بواشنطن ضيفاً على الرئيس الأمريكي جرارد فورد. وكان الرئيس المصري أنور السادات مع زوجته، السيدة الأولى جيهان السادات. وجهوا إليه نفس السؤال عما يفضل أن يستمع إليه من موسيقى الولايات المتحدة. وأحسن الاختيار. طلب شيئا من فولكلور الموسيقى الأمريكية. لا أدري ما إذا كان أنور السادات قد شارك زوجته في ذلك أم لا.

لبوا طلبه فكلفوا جوني كاش بإحياء الحفلة. وكما نعرف، ما من مطلب يفكر فيه أي زعيم عربي إلا وتحول طلبه إلى «بكرة صوف ضايع راسها».

ففي اليوم المخصص للحفلة، ابتلي المطرب الكبير بالسرطان ونقلوه إلى المستشفى، فكلفوا المغنية الزنجية بريل بيلي بإحياء الحفلة بدلا منه. أخذوها جانبا وحذروها، هذا رجل عربي مسلم، يصلي ويصوم، لا ترقصي معه.

ولكن بيلي كانت امرأة زنجية. وهات مَن يستطيع منع امرأة زنجية من الرقص، وهي تسمع قرقعات طبل.

وأكثر من ذلك. ها هنا رجل قادم من بلد لا يقل انفعالا بالطبول، الموسيقي منها والسياسي. فما أن انتهت من أغنيتها الأولى وانطلق العازفون بموسيقى الجاز حتى هجمت على الضيف الكبير واقتادته إلى الساحة وراحت تلف وتدور به. لم يعرف الرئيس فورد ما يفعل. وتوقع أن يسفر ذلك عن قطيعة محرجة للعلاقات بين البلدين وانهيار الغرض المطلوب من الزيارة. أسرع موظفو الخارجية ليندسوا بين الصحافيين: «الرجاء! الرجاء! لا تصوير! تذكروا المصالح الأمريكية!».

بيد أن الرئيس فورد أسرع لتلافي الموقف. تقدم إلى السيدة جيهان وانضم وإياها مع الراقصين. وتلطف الجو سريعا. وسجل المراقبون والمؤرخون هذا الفتح للرئيس فورد كأهم عمل أنجزه في حياته السياسية.