توجهــات أوباما نحو إيران يحكمها دور إسرائيل في المعادلة الإقليمية

TT

كل المراهنات المتداولة الآن، والتي ستزداد احتداماً كلما اقترب موعد العشرين من يناير

(كانون الثاني) المقبل، تتركز على قضية واحدة باتت تتحكم في مسار الكثير من الأحداث والعديد من التطورات في هذه المنطقة أي منطقة الشرق الأوسط هي: هل أن الرئيس الأميركي (الجديد) باراك أوباما سينتهج نهجاً جديداً بالنسبة للعلاقات الأميركية ـ الإيرانية التي وصلت خلال الأعوام الثمانية التي أمضاها الرئيس (المغادر) جورج بوش في البيت الأبيض الى ذروة التفجر أم ان كلام الليل سيمحوه النهار، وأن الخل هو أخو الخردل، وأن الطبع غلب التطبعَ والأمور ستبقى تسير في الاتجاه ذاته..؟!

بداية لا بد من إيراد ملاحظة بالإمكان اعتبارها حمالة أوجه، وهي أنه في حين ان الرئيس السوري بشار الأسد اتخذ موقفاً اتسم بالمزيد من الحدة والشدة في رفض الاتفاقية الأمنية العراقية ـ الأميركية واعتبارها رجساً من عمل الشيطان وتشكل خطراً على أمن دول الجوار والأمن القومي العربي، فإن ردَّ فعل طهران اتسم بالهدوء والمرونة، وذلك رغم ان ميليشيات مقتدى الصدر التي تعتبر أحد تشكيلات فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، أعلنت استئناف حربها «المقدسة» على الأميركيين بمجرد توقيع حكومة نوري المالكي لهذه الاتفاقية.

والسبب هنا هو ان الرئيس بشار الأسد بادر الى اعتراض طريق هذه الاتفاقية التي كانت في طريقها الى التوقيع بكل هذه الحدة والعصبية الزائدة لأن المعلومات التي وضعها كبار معاونيه بين يديه كانت بمثابة «تغميس خارج الصحن»، وكانت تقول ان الرئيس الأميركي (الجديد) مع الانسحاب الفوري من العراق، وأنه ضد أي اتفاقات تطيل بقاء القوات الأميركية هناك وكل ذلك، بينما كان الإيرانيون أكثر دقة وأرادوا ان يظهروا لباراك أوباما حسن نواياهم باتخاذ هذا الموقف المرن الذي اتخذوه وذلك مع الاحتفاظ بإمكانية التراجع إذا ثبت أنه لابد من التراجع بترك مقتدى الصدر يبادر الى التصعيد الذي بادر إليه. وفي كل الأحوال وللإجابة عن هذا السؤال، المطروح الآن داخل أميركا وخارجها وفي كل مكان، فإنه لا بد من استعراض ما يريده أوباما من إيران وما تريده إيران من أوباما حتى يمكن الجزم في هذا الاتجاه أو ذاك وبما إذا كانت سياسة «القوة الناعمة» التي تحدث عنها الرئيس الأميركي (الجديد) ولا يزال يتحدث عنها للتعامل مع طهران ستجدي مع محمود أحمدي نجاد ومع المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي أم ان استخدام «القوة الخشنة» سيكون في النهاية شراً لابد منه للحفاظ على المصالح الحيوية الأميركية في هذه المنطقة الإستراتيجية المهمة التي ازداد اعتماد أميركا عليها وتمسكها بها بعد هذا الزلزال المالي والاقتصادي الذي من المتوقع بقاء ارتداداته وتأثيره لسنوات قادمة كثيرة، حتى وإن هو انتهى خلال فترة معقولة قريبة.

إن أوباما حتى يقرر أياً من القوتين سيعتمدها للتعامل مع إيران هل هي «القوة الناعمة» أم

«القوة الخشنة»، فإنه يريد من طهران ان تسحب يدها من العراق وتوقف تدخلها الأمني والعسكري والسياسي وأيضاً الاقتصادي في الشؤون العراقية الداخلية، وأن تتوقف عن التلاعب من خلال حماس وغيرها في المشكلة الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وأن تضع حداً للتوتير المتواصل الذي تقوم به في العديد من دول الشرق الأوسط كلبنان واليمن ومصر ومعظم الدول الخليجية، وأن تلتزم بالإرادة الدولية بالنسبة لتوجهاتها النووية.

ثم يريد أوباما ان يضمن مسبقاً أن استخدام «القوة الناعمة» وتفضيلها في التعاطي مع إيران على «القوة الخشنة» ألاَّ يشجع طهران لتستغلَّ المرونة الأميركية وتذهب بعيداً في العلاقات مع روسيا لتفرض على الأميركيين «أجندتها» و«أجندة» حلفائها في إقليم الشرق الأوسط كله.

أما ما تريده إيران من أوباما ومن إدارته الجديدة، فهو الاعتراف لها بدور قيادي في الشرق الأوسط كله ترى أنها تستحقه، وأنها تماشياً مع هذا يحق لها أن تصبح دولة نووية، وأن يأتي الترتيب المستقبلي لوضع هذا الإقليم بهدف استقراره متلائماً مع هذه «الحقيقة»، وأنه إذا أرادت الولايات المتحدة علاقات جديدة مع طهران، فإنها يجب ان تكون علاقات الندِّ للندِّ وليس علاقات التابع للمتبوع.

فهل هذا ممكن..؟ في سنوات سابقة قبل الحرب العراقية ـ الإيرانية وبعدها وقبل سقوط الشاه محمد رضا بهلوي وزوال نظامه، وبعد ذلك، فإن الشيء الذي بقي يلتقي عليه الإيرانيون والإسرائيليون إستراتيجياً، حتى وإن هم اختلفوا وتباعدوا شكلياً وتكتيكياً، هو الخوف من العراق كلاعب رئيسي في هذه المنطقة الحساسة له المقدرة الديموغرافية والعسكرية والمادية على التصدي لمطامع الإيرانيين والإسرائيليين الجيوسياسية في هذا الإقليم وهذا استمر حتى بعد الهزيمة التي لحقت بنظام صدام حسين في حرب الخليج الثانية أي حرب تحرير الكويت.

حتى في ذروة حرب الخليج الأولى التي استمرت ثمانية أعوام عجافا، وبينما كان آية الله الخميني يرفع راية الجهاد لتحرير فلسطين والقدس وإزالة الدولة العبرية من الوجود، فإن التلاقي الإيراني ـ الإسرائيلي بقي قائماً فالخوف الإستراتيجي المشترك من العراق لم يتوقف والمعروف، وهناك وثائق مثبتة بهذا الخصوص، ان اللقاءات بين الطرفين وعلى مستويات عليا لم تتوقف ولم تنقطع خلال كل سنوات هذه الحرب، وأن الإسرائيليين بالإضافة الى تزويد إيران بالأسلحة والذخائر التي غدت بأمس الحاجة إليها في حربها مع العراق بدءاً بالعام 1985 مارسوا ضغوطاً هائلة على إدارتي جيمي كارتر ورونالد ريغان للانفتاح على طهران وإسنادها حتى بالأسلحة حرصاً على ألاَّ يكون ملء الفراغ في حال انهيار نظام الثورة الخمينية من حظ القوى الموالية للاتحاد السوفياتي والتي تدور في فلك الشيوعية العالمية.

الآن وقد أصبح العراق محتلاً من قبل الولايات المتحدة وغدت إيران اللاعب الأكثر تأثيراً والأهم في الساحة العراقية، فإن الموقف الإسرائيلي لم يبق على ما كان عليه فإسرائيل التي وُلِدتْ محكومة بهاجس الأمن والتي لاتزال محكومة بهذا الهاجس، رغم امتلاكها للأسلحة النووية، لا يمكن ان تضع رأسها على مخدة منسوجة من ريش سياسات باراك أوباما التي عنوانها «القوة الناعمة» فهذه مسألة دونها خـرط القتاد كما يقال، ولذلك، فإنه حتى إن كانت لدى هذا الرئيس الأميركي «الجديد» الرغبة في تحسين علاقاته مع طهران فإنه بالتأكيد ليست لديه «القدرة» على القفز من فوق حواجز وخنادق المخاوف والحسابات الإستراتيجية الإسرائيلية المحروسة بثقل اللوبي اليهودي ومدى تأثيره في التوجهات الخارجية الأميركية.

إنه عند النظر لمسألة ما يمكن ان يفعله أوباما بالنسبة لعلاقات بلاده مع إيران فإنه لا بد من الانطلاق من ان هناك الآن، بعد انهيار العراق كل هذا الانهيار، ثلاث قوى تتصارع وتتباعد وتتقارب في ميدان الشرق الأوسط هي إسرائيل وإيران والولايات المتحدة، وهذا معناه ان الرئيس الأميركي «الجديد» لا يستطيع إطلاقاً الإقدام على أي خطوة في اتجاه طهران ما لم تكن بعلم الإسرائيليين ومعرفتهم وما لم تخدم على المدى القريب والبعيد مصالحهم وتطلعاتهم الجيو سياسية... إنه غير ممكن ان تسمح إسرائيل لإيران بأن تصبح هي الرقم الرئيسي في معادلة هذه المنطقة؛ والمشكلة هنا هي ان العرب غائبون غياباً تاماً كقوة مؤثرة واحدة عن كل هذا الذي يجري.