أزمة أفريقية في انتظار أوباما

TT

في الوقت الذي اجتمع فيه زعماء العالم هنا لإطلاق الخطابات الرامية لتلطيف حدة المخاوف المتعلقة بالإعصار المالي الذي يجتاح اقتصاداتهم، تعرض المبدأ الجريء الخاص بـ«مسؤولية الحماية» الذي اقره أعضاء الأمم المتحدة منذ ثلاث سنوات للموت دفناً داخل حقول الموت بشرق الكونغو.

ومن أجل حسابك المصرفي، عليك أن تأمل في أن يتمكن المجتمع الدولي من حماية الدولار واليورو والين بنجاح أكبر مما يحققه في جهوده لحماية أرواح وسلامة أفراد تصادف مولدهم في دول فاشلة أو مارقة.

في غضون السنوات الثلاث الماضية، تحول الحديث حول انتهاكات حقوق الإنسان من عبارة «لن يحدث ذلك مجدداً قط» إلى «نأسف بشأن ذلك»، مع تعطل مهمة التدخل الإنساني العالمية ـ التي أعلنها بفخر بيل كلينتون وتوني بلير وغيرهما من القادة الذين يمثلون فكر «السبيل الثالث» وأقرتها في نهاية الأمر الأمم المتحدة عام 2005 ـ بصورة خطيرة.

وتأتي أعمال القتل والنهب وطرد المدنيين الكونغوليين العزل من المناطق المحيطة بمدينة جوما خلال هذا الشهر ـ رغم خضوعهم نظرياً لحماية 17.000 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ـ بمثابة دليل على العواقب المترتبة على إعلان وعود صالحة دون التفكير بقدر كاف في سبل تنفيذها. وعلى أعضاء مجموعة الدول العشرين الانتباه إلى هذا الأمر.

وكذلك الحال بالنسبة لإدارة أوباما القادمة، والتي سيتعين عليها صياغة أساس جديد لاستخدام القوة بالخارج يتناسب مع الحزب الديمقراطي الذي انقسم على نفسه بسبب هذه القضية منذ حرب فيتنام.

جدير بالذكر أن مسؤولية دول العالم إزاء العمل معاً لحماية المدنيين من انتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق التي تقترفها حكوماتهم تمت صياغتها على يد كلينتون وبلير وكوفي أنان، انطلاقاً من تجربة الفشل الذريع في وقف حملة الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا عام 1994 والحملات العسكرية الناجحة التي تم تنفيذها في البوسنة وكوسوفا في وقت لاحق من العقد ذاته.

وجاءت فكرة التدخل لدواع إنسانية لتوفر للديمقراطيين سبيلاً وسطاً قادرا على توحيد الصفوف ومُرضي لكافة الأطراف يُمكن على أساسه دعم اتخاذ عمل عسكري في الخارج. بل إن المدن الأميركية، وبينها مدينة شيكاغو التي ينتمي إليها باراك أوباما، اتخذت قرارات تطالب بجعل مسؤولية الحماية حجر الزاوية للسياسة الخارجية الأميركية.

إلا أن حربي أفغانستان والعراق فرضت ضغوطاً بالغة على القدرات العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها وخلقت توجهاً سلبياً أكبر بكثير لدى الرأي العام حيال التدخل في الخارج تحت أي مسمى.

وقد شهدنا كما ضخما من الخطب والأحاديث من قبل الكثيرين، بينهم أوباما، حول الحاجة لاتخاذ موقف فعلي لوقف الصراعات العرقية الوحشية الدائرة في إقليم دارفور بالسودان. إلا أن إخفاق الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمنظمات الإقليمية الأخرى في التدخل بفعالية هناك، والآن في شرق الكونغو ربما يشكل المسمار الأخير في نعش مبدأ مسؤولية الحماية.

فيما يخص الكونغو، من الواضح أن الجيش الوطني الكونغولي، الذي يعاني من ضعف بالغ، تخلى فعلياً عن المدنيين المقيمين حول جوما، بل إن هذا الجيش كثيراً ما يتعدى على هؤلاء المدنيين أكثر مما يحميهم. والآن، بات المدنيون الكونغوليون محصورين بين هذه القوة العاجزة وحركة التمرد التي تتسم بقدر أكبر بكثير من الكفاءة والتسليح والوحشية، ويتزعمها لورنت نكوندا، الذي أعلن في لقاء مع قناة بي. بي. سي. التلفزيونية الأسبوع السابق عزمه الإطاحة بالرئيس جوزيف كابيلا.

وتحظى محاولة نكوندا للتحول من واحد من لوردات الحرب الإقليميين إلى قائد وطني بدعم معلن من قبل رواندا المجاورة. أما كابيلا فيحظى بمساندة أنجولا، والتي ربما تكون قد أمدت الجيش الكونغولي بالفعل بقوات سراً. ومن الممكن أن يتفاقم هذا الصراع ليتحول إلى أزمة دولية بحلول وقت تولي أوباما مقاليد السلطة بالبلاد.

حال حدوث ذلك، سنشهد الكثير من تبادل اللوم. يذكر أنه في 3 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، طلب آلان دوس، مبعوث الأمم المتحدة الخاص بشرق الكونغو، زيادة أعداد قوات حفظ السلام المرابطة هناك بمقدار 3.000 جندي. كما تحتاج تلك القوات إلى إعفائها من قواعد الاشتباك التي تقيد حركتها وتحول دون تمكنها من الدفاع عن المدنيين. إلا أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لم يستجب لطلب دوس.

من جهته، أكد بيرنارد كوشنير، وزير الخارجية الفرنسي وأحد مؤسسي مبدأ مسؤولية الحماية من خلال أعماله الإنسانية، أن: «إن ما يجري في جوما يضر بشكل بالغ بمسؤولية الحماية. ومن الممكن أن يشكل نقطة تحول. إننا نشهد وصول الوطنية إلى المستوى القاري»، وذلك في إشارة إلى أن الحكومات الأفريقية تفضل قبول الكوارث الإنسانية، بدلاً من توفير الدعم أو حرية العمل لقوات ذات قيادة أجنبية لتنفيذ عمليات إنقاذ ضخمة. وخلال الزيارة التي قام بها إلى واشنطن الأسبوع السابق، أشار كوشنير إلى زيمبابوي باعتبارها أحد الأمثلة المأساوية في هذا السياق. إلا أن كوشنير عثر على شعاع من الأمل، وهو انتخاب أوباما رئيساً للبلاد، خاصة أن أوباما تربطه صلات عائلية مباشرة بأفريقيا وسبق أن تعهد بإقرار بداية جديدة في السياسة الخارجية الأميركية. وعلق كوشنير على ذلك بقوله: «من الممكن أن يغير ذلك كل شيء، ليس فقط بالنسبة لأفريقيا. لقد أجريتم أنتم الأميركيون لتوكم انتخابات عالمية. وعلى الرئيس أوباما الإسراع في إثبات ما يعنيه ذلك».

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ «الشرق الأوسط»