بوصلة جديدة

TT

هناك «جاذبية» قوية وملموسة وواضحة تتجه بالاقتصاديات العربية بقوة باتجاه الشرق الآسيوي، مستعيدة بذلك الأواصر التقليدية بين العالم العربي وآسيا، وهي واضحة الملامح هذه الأيام في القطاعات الصناعية والطاقة والبنى التحتية. لقد كان طريق الحرير القديم يتكون من تجارة الأقمشة والحرائر والبهارات بين العالم العربي وتحديدا من مدخل حضرموت التي برع تجارها في الرحيل والتعامل مع أقصى مشارق آسيا.

اليوم طريق الحرير الجديد مختلف، وهو يتكون من موانئ ومطارات هائلة تنتشر من هونغ كونغ وشنغهاي عبورا بدلهي وكلكتا لتصل إلى دبي والرياض، والتجار هذه الأيام هم مستثمرون كبار يبحثون عن موطن لأموالهم من مصادر ودخول النفط مقابل النهم الآسيوي للطاقة المنافسة وتأمين مصادرها المستقبلية. إنه زواج المصلحة الأنسب بين الأطراف كلها.

تشير بعض الدراسات الجادة والمعتمدة إلى أن حجم التعامل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا بلغ العام الماضي ما قيمته 758 بليون دولار أميركي، أي ما يعادل 55% من إجمالي التبادل التجاري لهذه الدول، وفي نفس الوقت بلغت قيمة الاستثمارات الخليجية في آسيا للفترة ما بين 2002 و2006 مبلغ 60 بليون دولار. والأدلة واضحة جدا على الحراك الاقتصادي المتطور بين الأطراف. فإعلانات الشركات العقارية المطورة الإماراتية ممكن مشاهدتها في الهند وباكستان وهي تعلن عن مشاريعها العملاقة، وشركات صناعية مصرية ومغربية وجزائرية تعلن عن مصانع لها لإنتاج الملابس والأدوات المنزلية في الصين. الآسيويون هم أيضا يواصلون تثبيت موضع قدمهم في الشرق الأوسط وبقوة واضحة جدا.

الصين صرفت واستثمرت البلايين من الدولارات الأميركية في قطاع النفط في الجزائر والسودان، وكذلك في قطاع المقاولات وبناء السدود ومد الأنابيب. الهند وماليزيا هما أيضا تواصلان استثماراتهما الكبيرة في الشرق الأوسط في القطاعات الهندسية والطاقة، ولعل الاستثمارات الهندية في مصر والماليزية في السعودية أكبر دليل على صدق ذلك. آسيا تقدم للخليج القوى العاملة والعضلات التي تمكن من بناء ناطحات السحاب والمواهب الإدارية والعلوم التقنية لتشغيل الشركات الكبرى من بنوك ومحال تجزئة. والهند كانت دوما تعتبر أن الخليج هو العمق الاستراتيجي لها، فحتى في تدريب البحرية الهندية السنوي تعتبر أن مياه الخليج هي خط الدفاع الأول للهند نظرا لوجود جالية هندية مهولة في هذه الدول أي دول الخليج العربي.

وبالرغم من كل هذا تبقى الأرقام الاستثمارية أقل من الأرقام الخاصة بالتبادل التجاري، إلا أن هذا مرشح أن يزداد ويتغير مع التطور الكبير في خارطة العالم الاقتصادي الحاصل الآن، واهتزاز الثقة في اقتصاديات أميركا وأوروبا جراء الأزمة المالية العالمية الكبرى والتي تلام فيها الإدارة الأميركية الحالية برعونتها وأدائها مع ازدياد القناعة والاعتقاد بأن الوضع الاقتصادي في آسيا أقل تأثرا مما يعني أن هناك المزيد من الاستثمارات ستأتي إليها. اتجاه البوصلة الاقتصادي يتغير والأرقام تؤكد ذلك.

[email protected]