«ما أحلى الرجوع اليه»

TT

سيناريو الحنين السوري الى العودة لم يعد خافياً على أي لبناني.

بادئ ذي بدء... حشود عسكرية على حدود لبنان الشمالية لحماية الداخل السوري من المنظمات «الارهابية» التي تترعرع، بقدرة قادر، في طرابلس وجوارها (فقط).. ثم حملة اتهامات إعلامية واسعة تركز على تحول طرابلس الى بؤرة للسلفيين المتشددين ومنبت للإرهابيين.

.. ثم حملة أخرى، متلفزة ايضا، لدور الارهابيين، المصدرين من لبنان هذه المرة، في تفجيرات دمشق الاخيرة.

.. ثم «استدعاء» وزراء حكومة «الوحدة الوطنية» في بيروت الى سورية، الواحد تلو الآخر، لتسجيل موقف رسمي من «عجز» السلطات اللبنانية في مواجهة موجة الارهاب... ثم المطالبة بتشكيل لجان «متابعة أمنية» مع لبنان برعاية أكثر أجهزة الوصاية السابقة طواعية لدمشق: المجلس الاعلى للعلاقات السورية ـ اللبنانية (أعلى ممن؟) كحل وحيد لكل هذه الاشكالات.

هي قطعاً عودة متأنية، ولكن بخطى ثابتة، الى شكل جديد من أشكال الوجود السوري غير العسكري في موقع القرار بلبنان.

هذا على الصعيد الآني. أما على الصعيد الأبعد مدى، فإن الالحاح السوري على ملاحقة شؤون «خاصرتها» الغربية فيما الحدث الابرز يسجل على خاصرتها الشرقية (العراق) يوحي بأن ما يشهده اللبنانيون عبر حدودهم غير المرسّمة مع سورية هو انطلاق باكر لمعركتهم الانتخابية المقبلة.

هل أقنعت نزاعات الساحة اللبنانية، وربما بعض أحزابه، «الناخب السوري» بأن أسلم الطرق للعودة الى لبنان هو طريق الديمقراطية، أي طريق المجلس النيابي المنتخب شعبياً بأكثرية جديدة تضمن ولاء بيروت الكامل لدمشق؟

الالحاح السوري في التعاطي مع القضايا «الأمنية» اللبنانية، عشية المعركة الانتخابية المنتظرة، يشكل اعترافا غير مباشر بان الانتخابات اللبنانية عام 2009 ستكون، بالنسبة لدمشق وحلفائها معاً، «أم المعارك» الانتخابية منذ الاستقلال الاسمي للكيان اللبناني عن كيانات «انطاكية وسائر المشرق».

حدّة الحملة الاعلامية السورية المبرمجة على «الاستقلاليين» في لبنان توحي وكأن عقدة سورية البعثية تجاه لبنان لا تختلف كثيراً عن عقدة العراق البعثي حيال الكويت: كلاهما يعطي الاولوية في نضاله القومي لاسترداد الارض العربية المسلوخة عن كيانه ـ وإن كانت لا تزال عربية الهوية والمصير ـ على تحرير الارض السليبة من الاجنبي، سواء كان تركيا (لواء الاسكندرون) أو أعجميا (الجزر الثلاث) أو اسرائيليا (الجولان).

وبالمقابل، ورغم ان معظم اللبنانيين يدركون الطابع المصيري لمعركتهم الانتخابية المقبلة فما زالوا يخوضونها في ظل شعارات سياسية تقليدية.. وخلفية انتخابية واحدة: الطائفية المتمذهبة باطراد، والإغراءات المالية المتعددة الانماط.

عملياً، لا تقسيم الدوائر الانتخابية، ولا المناخ السياسي السائد، ولا الوضع المعيشي الصعب، ولا الحملة الاعلامية السورية على «الاستقلاليين» توحي بأن الشارع اللبناني قادر على تحويل معركته الانتخابية الى استحقاق مصيري يحسم فيه العنوان الرئيسي لهذه المعركة: استقلال أو لا استقلال؟ سيادة أولا سيادة.. واستطراداً ندية او لا ندية في العلاقة الثنائية مع سورية؟

بانتظار علمنة الساحة السياسية في لبنان، وفي غياب نظام اقتراع نسبي يسمح بتمثيل أصح للتعددية اللبنانية، ستبقى كل انتخابات نيابية في لبنان سيناريو مكررا عن أي انتخابات سابقة.. في ما عدا تبديل بعض الوجوه في صفوف اللاعبين الثانويين.

ولكن، في ضوء تجربة ثلاثة عقود من «الوجود» السوري العسكري في لبنان، ومع الاخذ في الاعتبار تسليم الجميع بخاصية العلاقة اللبنانية مع سورية، وبالتالي أهمية المحافظة عليها كإحدى الثوابت الوطنية لبلدهم، قد يكون قادة الرأي في لبنان، موالين كانوا ام معارضين، مدعوين لإبقاء هذه العلاقة فوق الولاءات الفئوية والخصومات الحزبية، وخصوصاً خارج أدبيات الحملة الانتخابية التي يبدو من الآن انها لن تخلو من السخونة.

وهذا لا يعفي الشقيقة الكبرى من مسؤولية الإسهام في تعزيز العلاقة اللبنانية ـ السورية الخاصة وتوثيقها انطلاقاً من معاملة لبنان كشقيق توأم لا شقيق أصغر.. بالحجم والاعتبار معاً.