بداية الحوار الجاد

TT

قد يكون من المبكر جدًا الحديث عن التأثيرات بعيدة الأثر لحوار الأديان الذي عقد في نيويورك بالأمم المتحدة، في مطلع هذا الشهر. لكن المؤتمر قد أفرز نقطة إيجابية شديدة الوضوح، ألا وهي وجود رغبة كبيرة بين الأطراف المعنية في تجاوز الخلافات التي دائمًا ما كانت تسم العلاقات بين الإسلام والغرب، إذ كان الغرب ينظر إلى المسلمين على أنهم متعصبون أو حتى إرهابيون، بينما العرب على الطرف الآخر يشكون من الإسلاموفوبيا الغربية.

غير أن أيًا من الدول الغربية لم تدافع عن موقف يمكن اعتباره نوعًا من الإسلاموفوبيا، وعلى الطرف الآخر لم يستخدم أي من القادة العرب الموجودين في المؤتمر ـ عدا السفير الإيراني الذي قرأ الدعايا المعتادة لراديو طهران ـ أية لغة عدائية تحمل الشكوك أو الاتهام. وقد كشف المؤتمر عن استعداد إيجابي من جانب العالم الإسلامي للترحيب بالنقد البناء، وردًا على ذلك أبدت الدول الغربية قدرًا كبيرًا من التفهم لرغبة الكثيرين من المسلمين ـ أو ربما غالبيتهم ـ في الحماية والدفاع عن الاختلافات التي اعتبروها ضرورة لحياة عقيدتهم.

وقد أظهر المجتمعون في نيويورك استعدادا غير مسبوق من جانب جميع الأطراف للدخول في حوار جاد.

ومن قبيل المصادفة، عقد المؤتمر في وقت عملت فيه الحقائق على تداعي اتهامات الإسلاموفوبيا الغربية. فبداية: صوت غالبية الشعب الأميركي لصالح باراك حسين أوباما، الرجل الذي يحمل اسمًا عربيًا ومسلمًا ضمن اسمه، إضافة إلى أن أباه مسلم وزوج والدته كان مسلماً أيضًا، وقبيل الانتخابات بأيام قلائل دعم كولن باول وزير الخارجية الأسبق أوباما بالقول: حتى إن كان مسلمًا يجب ألا يحرم الفرصة في أن يصبح رئيسًا للولايات المتحدة. وأقرت جموع الشعب الأميركي ذلك.

وما من شك في أن انتخاب أوباما كان الحدث الأبرز على الساحة الدولية، لكنه سُبق ببعض الأحداث الصغيرة التي لا تدعم في مجملها الاتهامات بالإسلاموفوبيا، فمجلس الوزراء الفرنسي الذي شكله الرئيس ساركوزي يضم ثلاثة وزراء مسلمين من بينهم سيدة مسؤولة عن وزارة العدل. كما منحت ـ خلال الأعوام الثلاثة الماضية ـ جائزة نوبل إلى أكثر من عشر شخصيات مسلمة، في المجالات المختلفة، مثل الإيرانية شيرين عبادي في مجال السلام والتركي أورهان باموك في مجال الأدب.

كما فاز، خلال انعقاد المؤتمر في نيويورك، كاتبان من أصول إسلامية بأرفع الجوائز الأدبية في فرنسا، ففاز عتيق رحماني، الكاتب الأفغاني الأصل، الذي يبلغ من العمر 46 عامًا، بجائزة جونكورت الرفيعة. وقد كتب رحماني قصصه الثلاث الأولى بلغته الأم، الفارسية، لكن إقامته في المنفى 24 عامًا منحته الثقة الكافية لكتابة رواية باللغة الفرنسية جاءت تحت عنوان «حجر الصبر» والتي حازت الجائزة.

أما أرفع جائزة أدبية ثانية فقد ذهبت إلى الروائي الغيني تيرنو موننسمبو، الذي يبلغ من العمر 61 عامًا، عن روايته «ملك الشمس».

لم يقتصر منح الغرب الجوائز الرفيعة لشخصيات عربية على مجالي الأدب والسياسة تقديرًا لجهودهم فقط، فخلال الأسبوع الماضي ذكرت جريدة وول ستريت جورنال أسماء فنانين مسلمين من إيران ومصر والإمارات، مثل شيرين نشأت وهدى لطفي وركني هيرزاده ولمياء جارجاش، تباع أعمالهم الفنية بأعلى الأسعار في أسواق الفن الغربية.

كما نقضت بعض الأحداث الأخرى المزاعم بأن الغرب يعيش هاجس الإسلاموفوبيا، فخلال فترة انعقاد المؤتمر، أصدرت بلدية كولون الألمانية تصريحًا للجالية التركية ببناء مسجد ضخم، يضاف إلى العدد الكبير من المساجد التي بنيت خلال السنوات العشر الماضية في أوروبا لكي تتناسب وحجم المسلمين المقيمين بها، وهو عدد يفوق عدد المساجد التي بنيت في إيران بالنظر إلى عدد المسلمين.

وقد استخدم مصطلح الإسلاموفوبيا، منذ ما يزيد على عقد من الزمان، من قبل البعض كوسيلة للرد على أية انتقادات توجه إلى الإسلام. فمجرد الإشارة إلى أن الإرهابيين ذوي أصول إسلامية يعد إسلاموفوبيا، على الرغم من أن غالبية الضحايا من المسلمين، وقد ذكر أن ما يربو على 3.000 سيدة تقتل كل عام في باكستان، فيما يسمى «جرائم الشرف» وهو نموذج آخر من الإسلاموفوبيا، كما لو كانت تلك الأفعال متأصلة في الإسلام، وما اعتبر نوعًا من الإسلاموفوبيا أيضًا ملاحظة أنه في العالم الغربي وحده فقط، تتعايش جميع الطوائف الإسلامية جنبًا إلى جنب.

ولقد استعمل أولئك الذين يلجأون إلى الإسلاموفوبيا ـ كملاذ أخير ـ إلى استخدام حيل ذكية، فما من كارثة تحدث إلا ويلقى باللوم فيها على الغرب والهجمات «الاستعمارية والامبريالية» على العالم الإسلامي، بداية من وصول بونابرت إلى مصر. بتلك المزاعم لم تعد هناك حاجة لجلد الذات، فأخطاؤنا يتحملها الآخرون نيابة عنا.

بيد أن مؤتمر نيويورك الأسبوع الماضي كان ضربة قاصمة لتلك الذريعة التي يطلقها أولئك الخائرون، ونبأ سعيد للجميع بدون شك.