لا تتخل عن البلاك بيري

TT

من أكثر اللحظات المؤثرة، خلال الحلقة التي شارك فيها باراك أوباما وزوجته ضيفين في برنامج (60 دقيقة)، تلك اللحظة التي سأل فيها ستيف كروفت، الرئيس المنتخب عن التغيير الذي طرأ على حياته منذ يوم الانتخابات.

وأجاب أوباما بقوله: «ما تزال هناك أمور لم نعتد عليها بعد». وسألت ميشيل زوجها: «مثل ماذا؟»، فأجاب: «مثل عدم تمكني من الخروج للتنزه سيراً. أود أن أخرج للتنزه معك».

والواضح أن كل الرؤساء تمر حياتهم بمثل هذا التحول، وهو أمر يثير امتعاضهم. وعلى سبيل المثال، سبق وتحدث هاري ترومان عن: «السجن الأبيض الضخم المعروف باسم البيت الأبيض»، أما بيل كلينتون فأطلق عليه: «درة تاج النظام الفيدرالي العقابي».

بيد أنه بالنسبة لغالبية الرؤساء لم يكن تأثير هذا الحرمان من الاستقلالية عنيفاً بالدرجة التي هو عليها مع أوباما، ذلك أن بعض الرؤساء السابقين، مثل جون إف. كينيدي وجورج دبليو. بوش، اعتادوا الشهرة وتسليط الأضواء عليهم منذ الصغر، بينما اعتاد آخرون عليها على مدار سنوات عملهم بالحقل السياسي، حيث تقلد بعضهم منصب حاكم ولاية أو نائب الرئيس قبل الوصول إلى مقعد الرئاسة.

لكن أوباما يتميز بوضع فريد، حيث خاض تحولاً بالغ السرعة، من سيناتور مغمور في إحدى الولايات إلى الرئيس الـ44 للبلاد، في غضون أربع سنوات فقط. ويتمثل الجانب السلبي الواضح في افتقاره إلى الخبرة، بينما تتمثل النقطة الإيجابية المحتملة في اقترابه بصورة غير عادية من النمط السوي للشخصية. داخل الغرف المعزولة في البيت الأبيض، قد يكون من المفيد أن تعرف المواطنين العاديين وأن تكون أنت قد خبرت هذه الحياة في الماضي القريب.

وقال أوباما خلال اللقاء التلفزيوني: «أعتقد أنني قريب مما يمر به الأشخاص العاديون، وأسلوب حياتهم، مثل أي شخص انتخب رئيساً حديثا، ومن المهم التمسك بهذا الأمر».

وعند استعراض الرؤساء السابقين، نجد أن كلا منهم كانت لديه نوعية من القيود بصورة أو بأخرى، فعلى سبيل المثال، اشتاق كلينتون للتواصل مع الآخرين، وكانت السعادة تغمره عندما كان من يلتقي بهم يعلمون تماماً شخصيته الحقيقية.

وفي مذكراته، وصف كلينتون إحدى المرات التي خرج للتريض عندما كان رئيساً منتخباً، وتوقف كعادته عند أحد فروع ماكدونالدز، حيث التقى رجلاً في التاسعة والخمسين من العمر فقد وظيفته في موجة الركود التي أصابت البلاد. وكتب كلينتون: «سرت في طريق عودتي إلى الفندق وأنا أفكر في هذا الرجل، وكيف يمكنني المحافظة على الاتصال بمشكلات أمثاله رغم الأسوار التي تحيط بكل رئيس».

أما أوباما فيبدو أنه يحن إلى حرية: «التمكن من التجول في الجوار فحسب». وأضاف أن الشهرة التي نالها: «أمر لا أعتقد أنني سأعتاد عليه قط».

على ما يبدو، سينجح أوباما في إثارة وعي قوي بحاجة الرئيس لمقاومة البيئة المنغلقة التي يتسم بها البيت الأبيض. وفي كتابه «جرأة الأمل»، وصف أوباما شعوره عندما شاهد مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ يتملقون بوش، وكتب: «لقد تذكرت العزلة الخطيرة التي يمكن أن تفرزها السلطة».

من ناحية أخرى، كتب جيف زيليني مقالاً في صحيفة «نيويورك تايمز» منذ بضعة أيام حول ما إذا كان الرئيس الجديد سيتم إجباره على التخلي عن استخدام جهاز بلاك بيري، الذي لا يفارقه. وقال: «لم يتم بعد اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان سيصبح أول رئيس يتواصل عبر البريد الالكتروني، لكن مساعديه قالوا إن هذا الأمر يبدو مشكوكا فيه».

من جانبه، اختار بوش التخلي عن ذلك قبل توليه الرئاسة، معللاً ذلك برغبته في ألا يطلع أي طرف خارجي على محادثاته عبر الانترنت، وأكد أن هذا القرار يُحزنه.

لكنني أدعو أوباما إلى التمسك بعنوانه على البريد الالكتروني كوسيلة حديثة موائمة للقرن الحادي والعشرين للتغلب على الفقاعة العازلة المحيطة بالبيت الأبيض. وقد قام آل غور بذلك من قبل عندما كان نائباً للرئيس، وأبقى على استخدامه لجهاز بلاك بيري.

والمؤكد أن الكثيرين سيعترضون على هذا الاقتراح. على سبيل المثال، سيحذر المحامون من إمكانية الكشف عن فحوى رسائل البريد الالكتروني، منبهين إلى خطر أن يعكف محققون تابعون للكونغرس على تفحص رسائل البريد الالكتروني الخاصة بالرئيس. ويعني هذا التهديد ببساطة أن على جميع من يستخدمون البريد الالكتروني الامتناع عن كتابة أي شيء قد يسبب لهم الحرج لاحقاً.

أما المسؤولون بمجال الأمن فسيحذرون من إمكانية تعرض الرسائل الرئاسية للتجسس عليها من جانب قراصنة، بينما سيعترض كبار المسؤولين المعاونين للرئيس على تحركه خارج الإطار الذي صاغوه بدقة. وتلك تحديداً هي أهم نقطة بالقضية، ألا وهي أن الرئيس بحاجة إلى مصادر للمعرفة والنصح لا تخضع لرقابة أو تنقيح.

وإذا كان أوباما لم يعد بمقدوره التنزه سيراً، فعلى الأقل اتركوا له القدرة على استخدام البريد الالكتروني.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ «الشرق الأوسط»