ماذا في الخليج ولماذا؟

TT

تهاوت أسواق المال في الخليج في الوقت الذي كانت فيه دوله تكدس ثروات ومداخيل غير مألوفة في التاريخ. فما هو المنطق الذي يجعل الدول الصلبة تواجه مثل هذه الكوارث المالية؟ وما الذي يجعل دولة في ثراء قطر أو في غنى الكويت أو إمارة في توسع دبي، تتعرض لمثل هذه المحن القاسية؟ المغامرة؟ لا. والدليل أن الشيء نفسه حدث في سوق متأنية مثل البحرين وفي بلد مضبوط مثل عمان.

ما من جواب واحد ولا من جواب شاف. والكارثة وقعت في أي حال. لكن أحد التفاسير لما حدث هو أن للمال منطقاً مهماً بدا أنه لا يخضع لأي منطق. الأرباح لها حدود. والأبراج لها حدود. والثروات لها حدود. والقوة لها حدود. وها نحن نرى الإمبراطورية الأميركية المالية تهرّ لأنها وقعت في غرور المال وفي فساد الجشع وفي غطرسة القوة، فإذا بها متهاوية مالياً ومفلسة عسكرياً وسياسياً.

ماذا حدث للتخطيط والدراسات والأبحاث وعالم الخبرات؟ لقد تجاوز الخليج كل هذه اللزوميات، من دون الحاجة إطلاقاً إلى ذلك. تجاوزت الدول بأشواط بعيدة مقدراتها وطاقاتها على التوسع والاستيعاب وطرحت مداخيلها في ساحة ومنافسة لا معنى لها ولا ضرورة. وبدل التطور التدريجي الثابت والسليم راحت تسابق الخيالَ، فإذا بالخيال يصطدم بالحقيقة دفعة واحدة. والحقيقة ليست وجهة نظر.

لا تزال هذه بداية الطريق. وباستثناء تظاهرات الكويت أمام البورصة لم نسمع ماذا حدث للآلاف من الخاسرين والمقامرين. والمواطن العربي عندما يربح يريد أن يأخذ أرباحه إلى بيته وعندما يخسر يريد من الدولة أن تدفع خسائره. إنه لا يعرف بعد معنى أو مفهوم «السوق». وخلاصته كما قال غوار الطوشي، «حارة كل مين ايدو الو». الربح ربحك ولكن أيضاً الخسارة خسارتك.

إن النظرة إلى البورصة على أنها موزع مالي مجاني له فروع أمام كل المنازل، لا تصح إلا في حكايات ألف ليلة وليلة وأفلام والت ديزني. ولكن مسؤولية الأفراد وولعهم وجشعهم لا تلغي أبدا مسؤولية المسؤولين. وقد بدأت أعراض الكارثة منذ فترة طويلة وليس مع أزمة القروض في أميركا. والإجراءات المعزولة أو الفردية التي اتخذت في حق بعض الشركات لم تكن سوى إسعاف الفريق بكأس ملأى بالمياه، ريثما يتم النظر في أمر أليم. والنتيجة هي هذا القاع. ولم نر شيئاً بعد. ولم نسمع شيئاً بعد.