مسؤولية هوليوود عن التصوير الرومانسي للقرصنة

TT

مصدر الذهول والدهشة التي أفرزت عناوين صحفية مشتقة من أفلام هوليوود عن اختطاف ناقلة الزيت السعودية، هو جسارة القراصنة وحجم الغنيمة غير المتوقعة في هذا الزمان مثل أن يسرق حطابا فقيرا غابة بأكملها في حكايات ألف ليلة وليلة.

القرصنة تحت أنف الأساطيل القوية تذكرني ببيت الشعر «لا تستحقرن صغيرا في مخاصمة .. إن البعوضة تدمي مقلة الأسد».

المفارقة أنها ليست «مخاصمة» سياسية بين طرفين كاختطاف إيران بحارة بريطانيين أثناء أدائهم مهام أوكلتها الأمم المتحدة في المياه الدولية، كرهائن لأغراض سياسية بحتة (رغم العلاقات الديبلوماسية القائمة بين البلدين على مستوى السفارات).

صورة القرصنة في الأذهان مشوشة بعد أن غلفتها هوليوود برومانسية المغامرات في أفلام أبطال عصر الوسامة والمبارزة بالسيف مثل ايرول فلين.

دارت معظم أحداث أفلام قرصنة القرنين 17 و 18 في البحر الكاريبي، والبضاعة هي السكر الخام ومنتجات العالم الجديد (بترول القرن 18).

وقراصنة الكاريبي اسم فيلمين بموضة متفرجي «الفيديو كليب» بطولة الكابتن جاك عصفور Jack Sparrow الذي يجمع بين براعة ايرول فلين وكوميديا الأداء التليفزيوني.

وظلت هوليوود جاهلة بقرصنة البربر (سواحل شمال غرب أفريقيا) وفي بحر العرب رغم أنها لعبت دورا سياسيا تاريخيا بتبادل التحالفات مع القوى الأوروبية المختلفة.

مبالغات هوليوود حولت قراصنة حقيقيين لأساطير كأبي الذقن السوداء Black Beard رغم كآبة منظره بلحيته الكثة، وهو إنجليزي الأصل اسمه ادوارد تيتتش تعلم أسلوب النهب المسلح كمرتزق عندما كانت الحكومة «تستأجر» سفن المرتزقة المسلحة لحراسة قوافل تجار يحملون جنسيتها ويهاجمون سفن مواطني بلدان الخصوم مقابل الاحتفاظ بالغنائم المسلوبة لأنفسهم.

الدول البحرية الكبرى: بريطانيا، هولندا، البرتغال، وإسبانيا تحالفت مع قراصنة منطقة معينة لمهاجمة سفن بلدان الخصوم (كبريطانيا مع قراصنة البربر ضد أمريكا في القرن 19) أو لإنهاء القرصنة كاتفاقية الساحل المتصالح مع البحرية الملكية البريطانية (1820 ـ 1853) في الخليج.

وكصغار بهرتنا أفلام مغامرات بلود Captain Blood معالجة هوليوود لرواية رفائيل ساباتيني عن دكتور حقيقي ـ بيتر بلودPeter Blood حكم عليه بالإعدام لأنه عالج متمردين ثم خفف الحكم بنفيه ضمن العبيد إلى باربادوس.

وعندما هاجم الإسبان ميناء بريدجتاون قاد بلود زملاءه الأسرى في الاستيلاء على سفن الإسبان، ليصبح القرصان الكابتن بلود.

لكن القرصنة جريمة رغم أنف هوليوود.

ففي عام 2008 مات تسعة بحارة وفقد تسعة آخرون قرب سواحل الصومال كما أخذ 581 رهينة (أفرج عنهم).

ولا تزال 10 سفن و250 بحارا في انتظار «فدية» الإفراج حسب المكتب الدولي للملاحة.

قرصان Pirate بالإنجليزية مشتقة من اللاتينية pirata كتطوير للكلمة الإغريقية peirates من الفعل peira وتعني «خوض مغامرة مجهولة النتائج»، وفي لغة البحارة الإغريق القدامى «جرب حظك في البحر».

كثير من أفعال «تجربة الحظ في البحر» لا تعتبر piracy أي قرصنة ـ حسب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، بعد دراسة ومناقشات مؤتمر استمر تسع سنوات (مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للقانون البحري 197 ـ 1982) ، كما لا تشمل جرائم أخرى كالسرقة من السفن أو نهب البضائع تحت تهديد السلاح أو سرق جرسون أو خادمة مجوهرات ثمينة من أحد الركاب. وحتى اختطاف إيران لبحارة البحرية الملكية، ليست قرصنة حسب قانون 1982 ـ وإن كانت جريمة اعتداء في القانون الدولي.

والتاريخ حافل بأمثلة كإرهاب الفايكنغ لسواحل شمال أوروبا ( ليست قرصنة حسب قانون 1982) لكنها بدأت بقرصنة الفايكنغ ضد السفن.

حادث الناقلة السعودية «سيريوس ستار» هو قرصنة حسب اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982، القصد هو الابتزاز بالحصول على فدية.

أحد أقدم الحوادث (التي تعتبر قرصنة حسب قانون 1982) هو وقوع يوليوس قيصر (100 ق.م ـ 44.ق. م) أسيرا لقراصنة «جربوا حظهم» باعتراض سفينته في بحر ايجه في 82 ق.م.

قاتلهم ليوم بكامله بعد أن أرسلوا طلبا بفدية لإطلاق سراحه. وكسب قيصر المعركة لكنه أصيب بنوبة صرع، فاعتقد القراصنة أنه لا يساوي شيئا، وكادوا يرمونه في البحر عندما وصلت سفينة تحمل ذهب الفدية.

الطريف أن قيصر كان قد طلب بنفسه مضاعفة فدية إطلاق سراحه من الذهب من 10 إلى 20 طالنطية Talents (أو امفورا Amphora) ـ وعاء من الفخار أو الخشب لقياس الأحجام يساوي قدما مكعبا ـ.

ظن قيصر أنها مسألة «عيب وقلة قيمة» إلا تكون فدية رئيس القوى العظمى الأوحد في زمنها ضعف فدية أحد قباطنة السفن أو التجار الذين كانوا يحملون البضائع من جنوب وشرق المتوسط عبر بحر ايجه.

بيت القصيد هنا أن تدرك القوى العظمى العالمية اليوم حكمة حادثة بحر ايجه قبل 2090 عاما فلا تقع في فخ تضخيم «فدية» الناقلة المخطوفة.

نصيحتي ألا نضيع الوقت والجهد والمال، وربما الأرواح في محاولة مهاجمة القراصنة أو استعادة الناقلة، ولنفكر بهدوء وحكمة.

ماذا سيفعل القراصنة بمليوني برميل من الزيت؟

ليس في الصومال كلها معمل واحد لتكرير البترول، ودون هذه المعامل ووسائل تعبئة مشتقات الزيت، ناهيك عن تصريفها ونقلها للأسواق، لا قيمة للناقلة المخطوفة في حساب القراصنة فحسب، بل تصبح عبئا ثقيلا لا يتحملونه اقتصاديا، فكيف يمولون نوبات الحراسة؟

لا بد من تجاهل أية مطالب بفدية. المطلوب تعاون سفن القوات البحرية المختلفة قبالة ساحل الصومال لفرض حصار لا يسمح بإبحار الناقلة، ولا يسمح أيضا بتسريب الزيت منها بكميات تجارية بحرا أو برا. وهذا دور الأقمار الصناعية لمراقبة الناقلة وأي نشاط حولها 24 ساعة في اليوم.

الأمر يتطلب guided precision missiles أي صواريخ دقيقة التصويب ضد أهداف صغيرة لا تصيب الناقلة وإنما عربات أو سفن صغيرة قد يستخدمها القراصنة لمحاولة تهريب البترول.

صبرا وبمرور الأيام، وبعكس قيصر الذي ضاعف فديته، سيطلب القراصنة في النهاية السماح لهم بالنجاة بجلدهم وترك الناقلة، عندما يدركون أنهم سرقوا بضاعة لا يستطيعون أن يبيعوها بالقطعة على الشاطئ كالذهب أو السلع الاستهلاكية.

تبقى مسألة حياة البحارة المختطفين وسلامتهم، وهو أمر نتركه لتقدير وحكمة الخبراء من «القوات الخاصة» مثل SAS البريطانية والـ Navy Seals الأمريكية المعروفين بمهارتهم وحرفيتهم الشديدة في العمل السري وفي إنقاذهم السريع للرهائن من الطائرات المخطوفة.

أما دفع فدية للقراصنة فسيكون أكبر خطأ أخلاقي وسياسي يرتكبه العالم اليوم ويشجع على المزيد من القرصنة.