أي تغيير سوري حيال طهران سيتمظهر في لبنان؟

TT

إذا درسنا ساحة الشرق الاوسط من فوق، فقد يمكن تبّين الاصطفاف الآتي: اميركا وإسرائيل وغالبية الدول العربية من جهة، ومن جهة ثانية إيران وسورية وكل امتدادات هذا المحور، من لبنان، قطاع غزّة وحتى السودان حديثاً.

اميركا في العراق تجاور كلاّ من ايران وسورية. وقد يمكن النظر إلى هذا الامر على ان ايران وسورية تطوقان النسر الاميركي في العراق بعدما استطاعتا إغراقه في الوحل العراقي.

وبنظرة جيوبوليتيكية، قد يُمكن القول ان الهدف الحيويّ لايران هو شكل العراق المستقبلي. هل هو ضدّها ودموي كما كان مع صدام؟ هل هو اميركي الطابع؟ هل هو عربي الطابع بدعم اميركي؟ ام هو في الوسط، يعطي الكل، يُطمئن الكل، لكن دون وحدة سياسية كما هو اليوم؟

أما لبنان، فهو الهدف الاهمّ لسورية، معه سورية دولة اقليمية مهمة، ومن دونه هي دولة عادية.

أما اميركا، فقد استثمرت عظيم قدرتها في العراق. وهي في مآزق متعددة، مالية، سياسية، وجيو ـ استراتيجية خطيرة، خاصة بعد الحرب الروسية على جورجيا.

إذن محاور متصارعة، اهداف متناقضة بين اللاعبين، فيما تخوض اميركا انتخابات رئاسية تغييرية إذا صحّ التعبير. لكن الاكيد، ان ساحتي الصراع الاساسيتين هما لبنان والعراق الى جانب غزة.

عادة، مع التغيير، تعمد الدول إلى استشراف صورة المستقبل استعدادا للتأقلم مع غير المنتظر. كل هذا بهدف تقليل الخسائر قدر الامكان، او رفع نسبة الارباح. فماذا عن السياسة السورية تجاه ايران مع الرئيس الاميركي الجديد؟

تخوض سورية اليوم سياسة متعددة الاتجاهات. واحدة استراتيجية ثابتة تعود إلى العام 1983، عقب بدء الحرب الايرانيّة ـ العراقية، وبعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان.

وقد تعمّقت هذه الاستراتيجيّة بفعل التهديد المباشر للبلدين، خاصة بعد 11 ايلول، وبعد احتلال العراق.

ففي حرب ايران مع العراق، ساعدت ايران سورية في دخول الخليج العربي من الباب الواسع. ردت سورية الجميل لايران عبر ادخالها مشاكل المنطقة عقب الاجتياح الاسرائيلي للبنان.

وتعمقت هذه العلاقة الاستراتيجية بعدما قويت شوكة ايران، واصبحت حيوية لبقاء النظام في سورية، خاصة بعد منجزات حزب الله، والذي لولا سورية لما وصل إلى هذا المستوى.

لكن الاكيد، ان السياسة السوريّة تجاه ايران، تتعلّق بالامور الآتية:

* يجب ان نعتبر ان اميركا هي القوّة المُديرة في المنطقة، وحتى إشعار آخر، حتى إن بشّر البعض بالسقوط الاميركي. هي التي توزع الحصص، وتقسم مناطق النفوذ في المنطقة.

> إذا استمرت السياسة السوريّة تجاه الصلح مع اسرائيل، فهذا امر يتطلّب الدعم الاميركي. وهذا امر، يتطلّب سياسة انفصال، وإعادة تموضع سورية تجاه الحلف الاستراتيجي مع ايران. وهذا بالطبع، له تأثيرات على سياسة سورية في لبنان، نظرا الى وجود حزب الله فيه. إذاً، مؤشر التحول السوري تجاه ايران، يجب ان يُقرأ من لبنان.

> إذا انفتح الرئيس الاميركي الجديد باراك اوباما على ايران متجاوزا سورية، فقد يُعتبر هذا الامر السيناريو الأسوأ للأخيرة لانها ستكون معزولة، مُطوّقة من اسرائيل والعراق حيث اميركا التي انفتحت على ايران. في هذا الوضع، هناك سياسة سورية معيّنة تجاه ايران، وهي حتما ستتمظهر على الساحة اللبنانية.

> لكن السياسة السوريّة تجاه ايران، قد تتعلّق مباشرة بالاستراتيجيّة الاميركّيّة الجديدة في المنطقة والعالم من ضمن لعبة الكبار. الم نقل ان اميركا هي القوّة المديرة الوحيدة في المنطقة وحتى إشعار آخر؟ لكن لماذا؟

لقد تحدّثنا عن سياسة سورية تجاه ايران، انطلاقا من الصورة الصغرى، باتجاه الصورة الكبرى ـ من تحت إلى فوق. أي عبر «التكتكة» إذا صحّ التعبير. لكن هذه المقاربة قد لا تكون صالحة، او قد يكون هناك بديل منها، هو التحليل من فوق إلى تحت، اي من الصورة الكبرى إلى الصغرى. لكن كيف؟ وماذا اذا تفاهمت اميركا مع روسيا حول مناطق النفوذ التي حدّدها الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف في خطابه الاخير، اي المحيط المباشر لروسيا؟ الا تكون اميركا بذلك قد حلّت المشكلة انطلاقا من الصورة الكبرى، لتتساقط اوراق الصورة الصغرى؟ فتلتزم ايران بما عليها وتلتزم سورية بما طُلب منها. وبذلك، تتراجع روسيا عن مواقفها في مجلس الامن، كما تتراجع عن الدعم لكلّ من ايران وسورية.

وبذلك، يجب ان يكون لكلّ من سورية وايران سياسة تتناسب مع التغيير الجذريّ. فهل ستمانعان وتحاولان التعطيل؟ ربما، لكن الثمن قد يكون كبيرا. وفي هذه الحالة، هناك سياسة سوريّة معيّنة تجاه ايران، اقلّها محاولة الابتعاد عنها.

في الختام، هل يعتبر السلوك السوريّ اليوم، خاصة على الحدود اللبنانيّة، مرحلة اولى من التغيير المرتقب؟ هل تحضّر سورية للتغيير المنتظر؟ هل هناك استدراج عروض لمن يهمّه الامر؟ في أي حال، ان التغيير السوري تجاه ايران، يتعلّق مباشرة بالثمن المطلوب سورياً لهذا التغيير. لكن الوحيد القادر على الدفع، هو العم سام. فلننتظر.

* عميد متقاعد في الجيش اللبناني وباحث أكاديمي