«بلشة» بوش وأبو «عماما»

TT

جاءت فكرة هذه المقالة بعد تساؤل مع سمو الأمير خالد الفيصل، على هامش مؤتمر الفكر العربي السابع، الذي عقد الأسبوع الماضي بالقاهرة. سموه يرأس المؤتمر، وشاعر فحل وخطيب مفوه، وكنا نستمع لمتحدث مصري أكاديمي استعمل كلمة «بلشنا» ـ بتشديد اللام، واستغربنا استخدامها من مصري، لأنه لا يستخدمها سوى أهل الشام وأهل الخليج ووسط الجزيرة العربية.

جال في ذهني سياق الاستخدام من قبل المحاضر المصري، وما قد يتصل بالكلمة من معنى في فهمنا وتفكيرنا كعرب تجاه السياسة الأمريكية، التي نظنها تتغير بتغير الرؤساء جذريا، مثلما الحال في تراثنا السياسي الحديث، حيث تنقلب الأمور رأسا على عقب بعد البيان رقم واحد. وتساؤلات الربط بسبب أن الكثيرين منا مستبشرين خيرا بوصول الرئيس الأمريكي المنتخب الجديد، وكلنا أمل في أن يكون خير خلف لبوش السلف.

رحت أبحث في القواميس اللغوية فلم أجد لكلمة «بلش» أصلا ولا فصلا. والكلمة الوحيدة التي قاربت أن تكون مشتقا لها هي كلمة بلشون، وهي إحدى تسميات طائر مالك الحزين. تذكرت بوش هذه الأيام، فهو في مرحلة نهاية «العز والقوة»، وسيغادر بعد أسابيع ليترك سدة الرئاسة للرئيس الجديد. في الولايات المتحدة الأمريكية يسمون الرئيس في هذه المرحلة «البطة العرجاء» LAME DUCK لكن بوش أقرب ما يكون إلى البلشون الحزين (نفس فصيلة الطيور) الذي يقبع بلا حراك بعد جفاف المياه في البحيرات من حوله. سيغادر بوش، والاقتصاد يعاني من جفاف حاد، والعراق لم يحسم أمره بعد، وشعبيته الأسوأ ـ ربما في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. حتى حزب بوش، تخلى عنه ولم يكن يرغب بمجرد حضوره في المؤتمر السنوي للحزب أثناء حملة الرئاسة. غريبة هي اللغة: فمن معاني بوش في لهجة الخليج معنى «فاضي»، ويخيل للكثيرين أن الرئيس الأمريكي «بوش» هذه الأيام، فارغ وفاض وحزين.

سيترك بوش الرئاسة لباراك حسين أوباما. أغرب من الخيال! هل يعقل أن يحكم البيت الأبيض يوما رجل باسم كهذا؟ لا بل وأسود اللون أيضا؟

يقال بأن أوباما جاءت من كلمة «أبو عمامة»، وأنها مرت بتغيرات صوتية عبر «أبو أوماما» ـ لأن الكينيين لا يلفظون العين، إلى أن صارت أوباما بعد حذف المقطع المكرر، وحذف المقاطع المكررة شائع في لغات كثيرة، فانجلاند (انجلترا) أصلها أنجلا لاند، فحذف المكرر لتصبح على ما هي عليه اليوم.

طبعا، اسم أبو عمامة ما كان ليشفع للرئيس الأمريكي المنتخب أمام أبو عمامة آخر: أيمن الظواهري القاعدي الذي أطلق خطابا «عنصريا» الأسبوع الماضي عن أبو عمامة الأمريكي عيره فيه بزنجيته ولونه وعبوديته!!

بالعودة لكلمة بلشنا، فهي تستخدم بتشديد اللام في بلاد الشام بمعنى بدأنا، فيقال «بلش يحكي سيرته». ويقال: «بلشت السهرة».. إلخ.

وفي الخليج، يقال بلش ـ بتشديد اللام أيضا، وهي تعني ورط وسبب له مشكلة، فيقال: أبلشنا، ويقال: هذا والله البلشه، والبلشة تعني المشكلة أو المصيبة. كما لا يقال: لا تبلشنا! أي لا تورطنا، وهكذا.

والبلَشْ (بفتح اللام) ـ عند البدو ـ مرض جلدي يصيب الأنف ويسبب حكة مؤلمة تتسبب بآلام مبرحة. لكن الغريب اني لم أجد أصلا عربيا للكلمة. وزيادة الغرابة لاستخدام كلمة «بلاش» الشائع من مصر والسودان وحتى المشرق العربي كله بمعنى «مجانا». وإن كان المصريون يستخدمونها بمعنى «اترك الشيء أو دعه وشأنه»، فيقال: ولا أقولك، بلاش!

هناك إجماع على أن مرحلة «بوش ـ البلشون» كانت «بلشه» بكافة المقاييس، وهناك ترقب وانتظار على أحر من الجمر لكي «يبلش» أبوعمامه ـ أوباما ـ فترة رئاسته، والفرق بين بلشة بوش، ورئاسة أبو عمامه هو...... أو «بلاش»!

لننتظر.