أولويات الشرق الأوسط في 21 يناير

TT

يعد انتخاب باراك أوباما ليكون الرئيس الاميركي رقم 44 حدثا تاريخيا مهما، فقد استطعنا في النهاية أن نجتمع معا على نحو لم نتمكن منه من قبل خلال تاريخ بلادنا العظيمة الطويل. يجب أن نحتفل بهذا الانتصار، الذي حققته روح أميركا الحقيقية.

وقد أقيمت احتفالات بيوم الانتخابات في أماكن مختلفة في جميع أنحاء العالم، وهو أمر لم نشهده منذ أمد بعيد. ولأن البهجة تستمر لفترة قصيرة ثم تخبو، يجب أن نسعى لاستخدام طاقتها لنتوحد كأميركيين، لنواجه المشاكل الملحة التي تحيط بنا.

عندما يتولى أوباما الرئاسة في غضون شهرين، سيجد عددا من القضايا الصعبة المتعلقة بشؤون السياسة الخارجية تتنافس من أجل جذب انتباهه، وسيجد مؤيدين أقوياء لكل قضية من بين مستشاريه. ونعتقد أنه يجب إعطاء الأولوية لعملية السلام العربي ـ الإسرائيلي.

ربما لا توجد منطقة أخرى تلقت نبأ انتخاب أوباما بالترحيب أكثر من الشرق الأوسط. وسيساعد الاهتمام الفوري بالصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني على دعم الشعور بحسن النية، الذي نشأ عن انتخاب أوباما. ولا يرى الجميع في الشرق الأوسط أن القضية الفلسطينية تمثل أكبر تحدٍ في المنطقة، ولكن الشعور العميق بالظلم الذي يتولد منها حقيقي وسائد.

ولسوء الحظ، لن تحل الجهود المكثفة التي بذلتها الإدارة الحالية طوال العام الماضي القضية بحلول 20 يناير (كانون الثاني). ولكن، سيؤدي إهمال القضية إلى تعميق الشعور بالظلم والتجاهل في المنطقة. وقد يسبب ذلك اندلاع موجة جديدة من العنف بين الأطراف المتحاربة أو في مناطق مثل لبنان أو غزة، مما يعد انتكاسة لما تحقق والعودة بالأطراف إلى نقطة البداية من جديد. وعدم الاهتمام بهذه القضية قد يعني إمكانية تخلي الفلسطينيين أو الإسرائيليين أو كليهما عن حل الدولتين، وهو ما قد يتسبب في تداعيات غير سارة يعاني منها الجميع.

وفي المقابل، سيكون لحل القضية الفلسطينية أثره الإيجابي على المنطقة، حيث سيتيح للحكومات العربية تأييد القيادة الأميركية في تعاملها مع القضايا الإقليمية، كما فعلوا قبل غزو العراق. وسيبدد الكثير من التأييد الذي يحظى به حزب الله وحركة حماس، اعتمادا على المعاناة الفلسطينية. وسيغير من المناخ النفسي في المنطقة، ويجعل إيران تتراجع إلى موقع الدفاع، ويوقف تهديداتها.

والعناصر الأساسية لعقد أي اتفاق معروفة جيدا. ويعد العنصر الرئيس في أية مبادرة هو إعلان الرئيس الأميركي، من وجهة نظر بلاده، العوامل الأساسية لتحقيق سلام عادل ودائم. ويجب أن يحتوي ذلك على أربعة عناصر أساسية: العودة إلى حدود ما قبل 1967، مع بعض التعديلات الصغيرة المتبادلة المتفق عليها، وتعويض مقابل حق العودة للاجئين الفلسطينيين، واعتبار القدس عاصمة للدولتين، وإقامة دولة فلسطينية ليس لها جيش.

وربما تكون هناك حاجة إلى المزيد للتعامل مع المخاوف الأمنية الإسرائيلية من تسليم الأرض إلى حكومة فلسطينية غير قادرة على تأمين إسرائيل ضد الأنشطة الإرهابية. ومن الممكن أن تحل تلك النقطة بنشر قوات حفظ سلام دولية، مثل قوات الناتو، والتي ستحل محل قوات الأمن الإسرائيلي وتدرب القوات الفلسطينية على أن تصبح ذات فاعلية. وحتى الآن، يحد ضعف الأطراف المتفاوضة من قدرتها على الوصول إلى اتفاق بمفردها. وتعتبر الانتخابات الإسرائيلية التي من المقرر أن تعقد في فبراير (شباط) عاملا يزيد من تعقيد الأزمة بالتأكيد، وكذا الخلافات العميقة بين الفلسطينيين، بين فتح وحماس. ولكن إذا بدأت عملية السلام في التقدم للأمام، من الصعب أن نتخيل أن حماس تريد أن تُستبعد، وسيمنح هذا التقدم للشعب الإسرائيلي فرصة فريدة في التعبير عن رأيهم في مستقبل بلادهم.

ويمكن التغلب على هذا الضعف بأن يتحدث الرئيس بوضوح وقوة حول المبادئ الأساسية لعملية السلام، ويجب أيضا أن يدفع بالقضية في تصميم راسخ. ويجب أن يتبع تلك المبادرة، وليس أن يسبقها، تعيين مسؤول رفيع المستوى يواصل متابعة سير العملية نيابة عن الرئيس، وهي العملية التي تعتمد على التعليمات الرئاسية المعلنة. ويجب أن تحشد تلك المبادرة الرئاسية التأييد، محليا ودوليا، وتقدم تشجيعا كبيرا للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني.

إن القول بأن التوصل إلى حل ناجح لهذه القضية الخطيرة، مهمة بسيطة يمثل استهزاء بالتاريخ. ولكن على أية حال، يتيح الوضع الراهن فرصة لنجاح المهمة لم تكن متاحة بهذه الدرجة من قبل، وإلا ستكون تكلفة الفشل أشد وأنكى.

* برينت سكوكروفت: مستشار الأمن القومي للرؤساء جيرالد فورد وجورج بوش الأب،

وهو الآن رئيس منتدى السياسة الدولية ومجموعة سكوكروفت.

* زبيغنيو بريجنسكي: مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر، وهو الآن أمين ومستشار مركز الأبحاث الإستراتيجية والدولية. واشترك الاثنان في تأليف كتاب: «أميركا والعالم: محادثات حول مستقبل السياسة الخارجية الأميركية»

* خدمة «واشنطن بوست» ـ

(خاص بـ«الشرق الأوسط»)