جدل الاتفاقية .. ما وراءه

TT

حط الجدل حول توقيع الاتفاقية عند مجلس النواب بغية التصويت عليها، حيث أرجح مصادقتها، هذه الاتفاقية التي تأخذ شقين؛ الأول يختص في إطار التعاون الاستراتيجي حول العلاقات السياسية والدعم المقدم للحكومة العراقية لحماية النظام الديمقراطي والدستور ودعم المصالحة الوطنية، ودعم تعزيز مكانة العراق في علاقاته الخارجية والعلاقات الدولية، ودعمه في مجلس الأمن لإنهاء الوصاية عليه وفق الفصل السابع الموضوع فيها منذ غزوه للكويت عام 1990، وفي جانبها الاقتصادي دعم العراق في مجالات الانتقال إلى اقتصاد السوق وتشجيع الاستثمارات وتوجيهها إليه، وإعطائه الأفضلية الاقتصادية، وحماية أمواله، ودعم وثيقة العهد الدولي التي تضمنت مشروعا دوليا لمساعدة العراق وإسقاط ديونه الخارجية وتحقيق الحكم والاقتصاد الرشيد.

إلا أن التركيز والجدل انصب على الاتفاق الأمني الذي ينظم وجود القوات الأمريكية وانسحابها من العراق، حيث تضمنت لأول مرة جدولة محددة وثابتة ولا يمكن الرجوع عنها لانسحاب القوات الأمريكية من العراق، كما لم تنص على أية قواعد ثابتة، كما أخذت بالاعتبار قلق الجوار ومنعت أن تستخدم الأراضي العراقية كممر أو كقاعدة ضدها أو لضربها، وتضمنت نقل السلطات على الأجواء العراقية والسجون إلى الجانب العراقي وألا تنفذ أية عمليات إلا بموافقة الجانب العراقي وان ينقل أي معتقل للجانب العراقي خلال أربع وعشرين ساعة وألا يتم اعتقاله بدون إذن قضائي عراقي، كما حجبت أية حصانة عن الشركات الأمنية أو المتعاقدين مع القوات الأمريكية وأخضعتهم لمساءلة القضاء العراقي. مع ذلك هناك تشكيك فيما سبق يتجاوز النصوص والتعهدات وإلزامية التعاقد ويذهب إلى النيات.

المعارضة للاتفاقية، يمكن تمثيلها بجهتين؛ هيئة علماء المسلمين السنية التي اعتبرتها اتفاقية إذعان ستزول بزوال المحتل وان موقعيها طرف في لعبة الاحتلال يريدون المحافظة على مكتسباتهم وأنها باطلة شرعاً كونها بين «مسلم وآخر غير مسلم»، ومن السيد مقتدى الصدر الذي اعتبرها أول وصمات الذل والعار تطبعها الحكومة العراقية محتجة بإخراج المحتل مع أن إخراجه واضح عقلا ونقلا ولا يحتاج إلى أي اتفاق مع من «لا عهد له ولا دين». أما موقف القوى السياسية الرافضة فكان يجب أن يأخذ مساره الصحيح أولا عبر التفكير بالبدائل المتاحة عن توقيع الاتفاقية، فالبديل الأول هو تمديد تفويض قرار مجلس الأمن وإبقاء الوصاية الدولية وإبقاء الوجود الأمريكي بلا التزامات متقابلة أو تقنين، والثاني فتح قرار التمديد للتعديل وبشروط جديدة وهو ما ترفضه ولن تساعد به الولايات المتحدة، والثالث هو ألا يكون هناك لا تمديد ولا اتفاقية ولا غطاء قانوني. والمسار الثاني الذي كان يجب التفكير به هو المحتملات الأمنية، وتتوزع على عنف «القاعدة» والمتعاونين معها، وعنف الميليشيات، والعنف الثالث الذي سيتولد عن ترك القوات الأجنبية لواجباتها.

إضافة إلى هذا الجدل، ذهب بدلا إلى جدل فئوي داخلي وسياسي وهاملاً للوطني، فباستثناء القبول الكردي للاتفاقية والرفض الصدري لها فان باقي مواقف الرفض من الصعب أن تنظمها بناظم، جامعها الوحيد هو أن خصوم المالكي هم خصوم الاتفاقية، وكانوا سيكونون معها لو رفضها، فرفضهم لها كونها ستكرس من سلطاته وستجعله أقوى، وتنقل التفويض له بدل أن يكون بيد القوات الأمريكية، وهنا المفارقة السيادية واضحة، سألحقها بسيادية ثانية أن رئيس وزراء العراق سابقا رفض الاتفاقية معولا بالعودة للسلطة بآمال يجددها باوباما فهو يبتلع السيادة التي يتذرع بها في رفض الاتفاقية عندما يطلب من اوباما أن يتدخل لترتيب الوضع السياسي العراقي، وسيادية ثالثة أن سياسيا عراقيا آخر لا حظوظ دولية داعمة له لم يجد طريقاً لتجديد آماله إلا بالتماهي مع اللاعب الإقليمي الأهم في رفضه كونه بوابته الوحيدة للحكم، وسيادية رابعة أن طرفا سياسيا يلوم الأمريكان على إهماله ودخل مساومات من اجل الشعور بالأهمية وللحصول على مكاسب اللحظة الأخيرة، ومكون شريك بالوطن وبمصيره يرهن موافقته على اتفاقية تحدد مستقبل العراق وتحمي مصالح مكونه قبل غيره.

أطراف قائلون باستفتاء الشعب على الاتفاقية رغم إدراكهم استحالة ذلك الزمنية والعملية، إلا أنهم وجدوه طريقاً للهروب من المسؤولية ولإلقاء التبعية، ولمنافقة شارع غير قادرين على استكشاف ميوله أو التقرير له بما خولهم به، تمتعوا برسوم الحكم ويهربون من دفع استحقاقاته.

درجنا أن نحلل لتثبيت مواقف الكتل لتقسيمها كتلياً أو حزبياً أو مذهبياً أو مناطقياً أو حتى حسب الحليف الخارجي، ولكن بهذه الأدوات تعجز ولا تشتغل عندك آلية التحليل فلن تجد ضالتك إلا بالبحث عن غلبة السلوكيات والممارسات الآنية للساسة المتصدين.