غلاظة السوق

TT

بموجب ومقتضى نظرية «السوق» التي حاول الأميركيون فرضها على فقراء العالم، فإن شركتي جنرال موتورز وكرايسلر يجب أن تعلنا إفلاسهما بعدما تكبدتا خسائر تفوق مائة مليار دولار. لكن الإفلاس سوف يؤدي إلى بطالة نحو 4 ملايين إنسان، في أميركا وحول العالم، حيث للشركتين مصانع وفروع وممتلكات واستثمارات.

ألا يحصد الإنسان ما يزرع؟ منذ 34 عاماً وشركتا هوندا وتويوتا تتقدمان جميع الشركات الأميركية مبيعاً داخل الولايات المتحدة. وهذا يعني أمرين: الأول، تفوق الصناعة اليابانية بأشواط، والثاني تخلف الشعور القومي الأميركي. فمن أجل توفير بضع مئات من الدولارات في سعر السيارة وفي كفاءاتها، انصرف الأميركي، عاماً بعد عام، إلى تدمير إحدى أكبر الصناعات التشغيلية في بلاده. وكذلك تهاونت القيادات الصناعية والتجارية والعلمية في مسألة المنافسة، فكانت النتيجة ما وصلت إليه أميركا اليوم: عار صناعي وكارثة اقتصادية ومأساة بشرية.

قبل نصف قرن كان كل هذا العالم مليئاً بالسيارات الأميركية بسبب تصميمها وصلابتها وراحتها. واليوم تتزاحم السيارات الكورية والهندية في شوارع الدنيا. وأما السيارات الفاخرة فمصدرها ألمانيا واليابان ولا مكان لأميركا إطلاقاً، ولا للجلد الاصطناعي وهياكل البلاستيك وتسارع الاهتراء. لذلك فلتترك مصانع أميركا للإفلاس من أجل أن تتعلم من جديد كيف تعود إلى عهد هنري فورد وتوماس أديسون وألكسندر، بل أولئك الرواد الذين أنشأوا أهم بلد صناعي في التاريخ. أما الآن فإن أميركا تشبه تماماً الاتحاد السوفياتي الساقط: لقد أبدع في الفضاء وتخلف على الأرض. وكلما هبطت السفينة الفضائية في كاليفورنيا تساءل الناس ما السر في مكابحها وضعف مكابح السيارات الخارجة من ديترويت.

اللهم احمِ جميع عمال الأرض وبسطائها من البطالة والفقر والحاجة. لكن هذا البطر الذي حاول الأميركيون فرضه على الكون حول «نظرية السوق» لم يعد يطاق. اليمين الغبي أكثر بشاعة من اليسار الفظ. فليكن الدرس محفوظاً لا قاسياً. وحرر الأبرياء من مسؤولية المغرورين وقباحة الغرور ودمامل الغرور. وعذرا عن التعبير.