نصيحة المستشارين

TT

مهم جدا المقال المنشور أمس في «الشرق الأوسط» عن أولويات اوباما في 21 يناير. ففيه حث زبغنيو بريجنسكي وبرينت سكوكروفت، مستشارا الأمن القومي في عهدين سابقين، الرئيس الاميركي المنتخب باراك اوباما على ان يستعجل حل النزاع العربي الاسرائيلي على بقية القضايا، مشيرين الى التنافس المتوقع في سرادق الحكم بين المستشارين الذي يدافع كل واحد منهم عن قضيته.

والقضية العربية الاسرائيلية لن تكون سهلة على اوباما، ليس لأنها بذاتها هي المشكلة رغم تعقيداتها المعروفة، بل بسبب ملحقاتها المتراكمة والمعقدة واهم من ذلك نزاع الشخصيات السياسية. ومن فطنة المستشارين الاثنين انهما لا يراهنان فقط على مواءمة التوقيت من حيث الظروف الاقليمية بل ايضا على شخصية الرئيس الجديد. فالعرب تحديدا، الطرف المشكك دائما في حيادية الوسيط الاميركي، يرون في الرئيس المنتخب شخصية مقبولة ومعتدلة رغم مواقفه الموالية لاسرائيل في الفترة الانتخابية. والسبب الأقوى الذي يجعل اوباما شخصية مرحبا بها عربيا التأكيد على الانتقام من شخصية بوش المرفوضة عند قطاع كبير منهم.

ومع انهما كانا واضحين في صياغة الفكرة المأمول اتباعها الا ان الايمان المطلق بان حل القضية العربية يكفيه فقط العمل الدبلوماسي فيه تفاؤل كبير. من حيث المبدأ، لا اتصور انه يوجد طرف عربي في المنطقة، مهما كان موقفه، يرفض نهاية النزاع مع اسرائيل، لكن لكل طرف ايضا حساباته الخاصة. وعلى الرئيس الجديد ان يعد الوسطاء السابقين والمسافات الهائلة التي طاروها من عاصمة الى عاصمة، سيجد تاريخا مخيبا للآمال من المحاولات الجادة. هناك في اسرائيل اطراف ستعرقل مشروع السلام، واطراف على الجانب الآخر ستحاول ايضا ان تضع العراقيل، تحت حجج مختلفة.

مثلا، لا أدري كيف يمكن اشراك او تجاهل ايران في اي مصالحة مع اسرائيل. فطهران قوة اقليمية تملك سلطة هائلة اليوم على التخريب وبدون موافقتها على اي مشروع سلام ستجعل توقيعه مستحيلا. اما ضمان موافقة ايران فهذا قد يعني القبول بمشروعها النووي، وهو مشروع في نظر آخرين اخطر من ابقاء النزاع العربي الاسرائيلي. تلك واحدة من العقبات المؤكدة التي ستواجه زعيما جديدا مثل باراك اوباما. وليست ايران وحدها بل توجد انظمة وتنظيمات ومصالح وقوى لها مطالبها التي ستضعها قبل حل القضية الفلسطينية. وهذا القول لا يعني أبدا ان على اوباما ان يستسلم، كما استسلم من سبقه من الرؤساء مدركين استحالة الحل، بل ان يجرب محاولة الحل، بل فرض الحل ان لزم الأمر. دول المنطقة، بما فيها ايران واسرائيل، ستراقب اوباما منذ اليوم الاول، فان وجدته جادا ومصرا على حل النزاع فانها ستساير الحل، وان وجدت فيه تراخيا كما رأت في مؤتمر مدريد ايام بوش الاب، او مفاوضات كامب ديفيد في عهد كلينتون، فانها ستصيب مبعوثي اوباما بالارهاق وربما الجنون، بالمماطلات والمعارك الجانبية.

[email protected]