الوزيرة هيلاري

TT

وزارة الخارجية كمنصب تنفيذي تعتبر إحدى أهم الوزارات في إدارة أي رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، والآن يتجدد هذه الحديث وبقوة في ضوء بروز مؤكد لقبـــول ترشــيح السيدة هيلاري كلينتــون لهـــذا المنصب، وقــرب قبولها بذلك.

هناك عدد لا بأس به من وزراء الخارجية الذين كانوا نجوما مؤثرين في صناعة سياسات بلادهم في أمريكا، وهناك من كانوا بلا طعم أو رائحة، وهناك من فشلوا فشلا هائلا. التاريخ يحسب لمارشال إعداده لخطة الإعمار الكبرى للدول المتضررة من الحرب العالمية الثانية، وكذلك كان حضور دالاس مؤثرا وفعالا، ولا ينسى لكيسنجر تحركاته في آسيا وفي الشرق الأوسط في مراحل مختلفة وحرجة، وطبعا كان هناك الحكيم الرزين بيكر، الذي عرف بقوة وثبات حججه في المباحثات المعقدة. ومع هذا السرد لا يمكن إغفال ذكر من فشلوا، أمثال سايروس فانس وأدموند ماسكي ومادلين أولبرايت وكوندوليزا رايس، وحتى كولون باول العسكري الرزين المحترم، الذي استغل أبشع استغلال من قبل عصابة المحافظين الجدد من أجل الترويج (بمصداقيته) للحرب على العراق، بحجة وجود أسلحة دمار شامل خطيرة على أراضيه. اليوم هيلاري كلينتون تأتي إلى منصب مهم جدا وهي محملة بإرث شخصي لا يمكن إغفاله، فهي تأتي بطموح رئاسي لم تتمكن من تحقيقه وتاريخ في الخدمة العامة في ولاية محورية مثل نيويورك من خلال تمثيلها في مجلس الشيوخ المؤثر. اهتمامات هيلاري كلينتون ستكون بشكل أساسي في المناطق التي لديها فيها بصمة ما، أو لها فيها اهتمامات مميزة. مناطق مثل البلقان في أوروبا والقارة الأفريقية، نظرا للجهد اللافت لزوجها بيل كلينتون في شؤون مهمة، مثل مكافحة الإيدز، والصحة والتعليم. أما مواقفها بخصوص قضايا الشرق الأوسط فهي مع انسحاب للقوات الأمريكية من العراق «بشكل مقنن»، وحل للقضية الفلسطينية مع الحق الأقوى لإسرائيل، وإمكانية الدفاع عن القدس كعاصمة لها وضمان الأمن لها، ولها رؤية صارمة ضد الطموح النووي الإيراني. سيكون مثارا للاهتمام مراقبة كيف ستوزع «كعكة» السياسة الخارجية بين الرئيس باراك أوباما ونائبه جوزيف بايدن (وهو الذي تم اختياره في هذا المنصب لخبرته الطويلة في مجالات الشؤون الخارجية وترؤسه للجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس) وبين هيلاري كلينتون صاحبة «الاسم الكبير»، وطبعا لا يمكن إغفال «الغوريلا الكبيرة في محل أواني الصيني»، كما يقول المثل الغربي المعروف، والمقصود هنا لا يمكن إغفال دور الرئيس الأسبق بيل كلينتون وتأثيره على زوجته وأدائها التنفيذي للسياسة الخارجية. اختيار أوباما لهيلاري كلينتون فيه ضرب لأكثر من عصفور بنفس الحجر؛ فهو «يضمن» أصوات أنصار هيلاري ويحيدهم (وفي ذلك نظرة للانتخابات الرئاسية بعد أربع سنوات) ويضع «اسما لامعا» في إدارته وفي منصب له بعد دولي، من دون المغامرة بأسماء جديدة وغير مجربة، ولكن المحك الأساسي سيكون تناغم الأداء وانسجامه بين أعضاء كانوا لفترة قريبة يتنافسون ضد بعضهم البعض ويتبادلون أقصى الاتهامات. ولكن يبقى التذكير بأن الاقتصاد ستكون له الأولوية وليست السياسة الخارجية في إدارة أوباما.

[email protected]