حركة شيعية ومباركة سنية

TT

قاد هذه الحركة الشيعية عدد من الشيعة من الخليج، وشيعة آخرون من دول عربية أخرى. وعلى خلاف أي حركة شيعية أخرى، فإن اللافت في هذه الحركة التي أعلن عنها أخيراً أن السنة رحبوا بها وباركوها؛ هذه الحركة بدأت بهمس في البيوت والمجالس الخاصة ثم تحولت للعلن، محدثة ردود فعل متباينة؛ إنها حركة فكرية عقيدية على بعض الموروث الشيعي، رأى فيه عدد من العلماء والمثقفين الشيعة أنه مستحدث في فكرهم، وأن بعضه أشبه بالحطب الذي يؤجج نار الخصومة بين طائفتين من المسلمين.

فقد وقع عدد من المثقفين والمفكرين الشيعة، أغلبهم من الخليج، بيانا نشرته صحيفة «الوطن» السعودية، الجمعة الماضية، دعوا فيه إلى تصحيح مسار الطائفة الشيعية في العالم العربي، وإجراء مراجعة لعددٍ من المعتقدات الشيعية، وخاصة «ولاية الفقيه»، ومسألة «التقليد» و«إعطاء الخمس لعلماء الدين»، وكذلك «ممارسات التطبير والدق على الصدور في طقوس عاشوراء». وجاء في البيان، «توصلنا إلى قناعة برفض الكثير من المعتقدات والأحكام الشرعية التي ننظر إليها كعائق حقيقي أمام شيوع وتجسيد قيم المحبة والتسامح مع إخوتنا من أبناء المذاهب الإسلامية فضلا عن الأديان الأخرى»..

أحمد الكاتب، أحد موقعي البيان بل أحد الرواد الذين نالهم كثير من العنت بسبب نشر هذه الأفكار مطلع التسعينات، وهو عالم عراقي معروف وخريج الحوزات الشيعية وأحد مناصري الثورة الإيرانية وأحد المسوقين لآيديولوجيتها الحركية في الدول العربية. وأذكر أنني حين التقيته في بريطانيا منتصف التسعينات لمحت فيه وفي طروحاته الشجاعة المبنية على البحث العلمي المتجرد مشروعاً مستقبلياً لمد الجسور بين طائفتين مؤثرتين في العالم الإسلامي، وفك الاحتقانات التي ما تزال تحدث توتراً وتوقد لهيبَ الصراع بين الفينة والأخرى. وأذكر أن أحمد الكاتب ذكر لي في لقاءاتنا اللندنية المطولة أن عددا من العلماء والمثقفين الشيعة يتفقون معه في معظم طروحاته ومراجعاته، ولكن في المجالس الخاصة والغرف المغلقة، إذ أن هناك مثبطات سياسية واجتماعية واعتبارية ومالية، بل ذكر لي منتصف التسعينات أن هناك بعض المثقفين الشيعة من الخليج يتفقون معه، وقد يأتي اليوم الذي يجهرون فيه بأفكارهم، وقد صدق حدسه، فهذا البيان الأخير تحقيق لتوقعاته القديمة. وأجمل ما في البيان تأكيده على رفض قذف الخلفاء الراشدين وتجاوز كافة عبارات الشتم والسباب واللعن الواردة ضدهم في التراث الشيعي. وليس مبعث تقديرنا لهذا البند بالذات انتصارا لهؤلاء الصحابة الأجلاء فحسب، ولكن لأن سبَّ الصحابة صار سبباً لكل شرٍّ وقطيعةٍ وفتنةٍ بين الفئتين. إن أهل السنة لا يستفزهم إيمانُ الشيعة بخمسهم ولا متعتهم ولا الزيادة في أذانهم ولا ضربهم لصدورهم وتطبيرهم، ولكن حين يتعلق الأمر بالنيل من الرموز كأجلاء الصحابة وسبِّهم، فالوضع مختلف، بل لا أبالغ إن وصفته بالخطر لأن ردود الفعل لا يمكن توقعها من عامة الناس ودهمائهم.

أعود للمبادرة الشيعية الشجاعة التي يجب أن تجد صدًى في المعسكر السني، ليس في تشجيعها ومباركتها وحسب، ولكن أيضاً في التقدم نحوها بإيجابية، مثل إجراء مراجعة مماثلة في الطروحات التي من شأنها أن تؤجج الصراع وتشعل الفتنة بين المسلمين مثل فتاوى القتل العشوائي.

كما يجب على علماء السنة التجريم الواضح والاستنكار الصريح لأي هجومٍ أو تحرشٍ بحسينياتهم ومساجدهم، وهو ما نطالب به علماء الشيعة أيضاً. وبمثل هذه الإيجابية من المعسكر السني، ومثل هذا البيان الجريء للمثقفين الشيعة، نكون قد أبحرنا بسفينة أمتنا الإسلامية بعيداً عن أمواج الفتنة الطائفية ورياحها العاتية.

[email protected]