المرأة في الطليعة

TT

قالت التقارير الواردة من المملكة العربية السعودية إن الإناث أصبحن يشكلن الأكثرية (60%) من الطلبة في الجامعات وانحسر دور الذكور إلى أقلية. انطبق ذلك على ما عرفته في سلطنة عمان، وربما في الكثير من دول الخليج. هذا شيء مبهج ليس لمجرد أنه يؤدي إلى رفع مستوى المرأة فقط، بل لزيادة الأمل في مساهماتها الاجتماعية. فمن الوقائع التاريخية أن النساء أكثر حرصا من الرجال على خدمة المجتمع وتقديم العون والصدقة للمحتاجين. فحيثما أذهب وأتصل بجمعيات خيرية في بريطانيا أجد أن معظم عضويتها تعتمد على النساء. ومما أتذكره في عائلتي أن والدتي رحمها الله كانت هي التي تذكرنا بفطرة رمضان وخروف العيد والصدقات الموسمية الأخرى وتسهر على توزيع كل ذلك على المحتاجين.

الظاهر أن غريزة الأمومة في المرأة هي التي تجعلها تفكر بنجدة الضعيف والمحتاج. وطوال العصور السحيقة نجد أن المرأة هي التي تولت مسؤولية الإغاثة. ففي عهود الرومان واليونان كانت هي التي تسهر على رعاية المعابد وتقديم الخدمات للجمهور. وكانت هي التي خفت لمساعدة السيد المسيح عليه السلام وحوارييه، كمريم المجدلية. وفي عهد الاضطهاد الروماني، فتحت السيدات الموسرات المسيحيات بيوتهن لإغاثة وتغذية ولجوء المسيحيين المشردين ومشاركتهم في العبادة حتى سميت تلك الدور ببيوت الكنيسة، أو الكنائس البيتية.

وفي العصر الحديث، كانت السيدة نايتنغيل هي التي وضعت أسس التمريض الحديث بعد أن سمعت بمعاناة الجنود الإنجليز المقاتلين في حرب القرم في القرن التاسع عشر، فأبحرت بطوعها وإرادتها مع عدد من الفتيات الإنجليزيات لإسعاف الجرحى من الطرفين. وهو ما أعطى بريطانيا هذا السبق والشهرة في خدمات التمريض بالشكل الذي يبهر كل من يزور المستشفيات البريطانية.

وفي هذه الأيام التي سمعنا فيها الكثير من فضائح الإسراف الذكوري من المليارديرية وما ينفقونه على موائد القمار وعلى الغانيات الحسناوات ويخوتهم الفارهة وحفلاتهم الباذخة، نسمع عما جادت به السيدات المحسنات من أعمال الخير، كالسيدة انيتا رادنغ، صاحبة مخازن البودي شوب، التي أوصت بكل ثروتها للجمعيات الخيرية وحرمت حتى أبناءها منها. قالت: «لقد سهرت على تربيتهم ولهم أن يعملوا ويجمعوا مثلما فعلت». وما زالت الكاتبة المليونيرة جي. كي. رولنغ، تقلم ثروتها بين الحين والآخر وتتبرع لوجوه الخير.

اهتز العالم برمته عندما سمع بالملياردير بل غيت، صاحب ميكروسوفت، يتبرع بكل ثروته البليغة للأعمال الإنسانية. بيد أن القليل من الناس يعرفون أن من حثه وجره إلى هذا العمل الخارق كانت زوجته المحسنة.

بيد أن حجر المرأة وتقييدها، قلص قدرتها على أداء مهمات مشابهة. ولكن عملية التنوير والتطوير والتحصيل العلمي ستساعدها تدريجيا على لعب مثل هذه الأدوار الإنسانية الناجعة. هناك عدد غير قليل من المثريات العربيات، بدون ذكر أسمائهن، سبقن إلى ذلك، ولا سيما في دعم المثقفين والفنانين ومراكز الفكر.

www.kishtainiat.blogspot.com