القراصنة والعقول النائمة

TT

قيل إنهم إسرائيليون، وقيل إنهم إيرانيون وذلك منذ أن كبرت القرصنة الصومالية ونشرت الرعب في المنطقة. أسقط كل طرف أفكاره ومخاوفه، كما هي العادة، في مواجهة غير المعقول أو غير المفهوم. فلا يزال غير مفهوم لنا جميعا كيف تستطيع عصابات من بسطاء، وربما اميون، إدارة معارك بحرية ضد سفن كبيرة متطورة في منطقة تعج ببوارج الاساطيل الدولية؟ الاجابات انقسمت بين قائل انهم ليسوا الا كوماندوز بحرية اسرائيلية، ومتخوف آخر بانهم ضفادع عسكرية ايرانية.

الفريق الأول واثق ان الاسرائيليين يريدون ذريعة لفرض القوة العسكرية البحرية الاسرائيلية على باب المندب، مدخل البحر الأحمر. وقد روج احدهم منذ البداية ان الاسرائيليين هم القراصنة تحت مسميات صومالية. ما الدافع؟ قالوا ان اسرائيل تريد فرض وجودها فلا يجد أي طرف اقليمي آخر سوى القبول بالنجدة الاسرائيلية لمواجهة هذه العصابات. منظر هذه الفرضية لم يدر ان إسرائيل، كبقية القوى في المنطقة وكذلك القوى البحرية الدولية، تستطيع ان تبحر في جنوب البحر الاحمر وقبالة الشواطئ اليمنية والصومالية ان شاءت، طالما انها وراء الخمسة عشر كيلومترا التي تمثل مياه الدولة، أما خارجها فلا سيادة لها عليه. الأمر لا يحتاج الى التخفي في هيئة قراصنة صومالية، فالقوة البحرية الاسرائيلية، ومنذ عقود، تبحر بصورة عادية من مضيق باب المندب، وامام ناظري حرس سواحل الدول المطلة، ولا تستطيع القوة اليمنية، او غيرها، اطلاق النار عليها، لأن المضيق ممر دولي وليس ارضا تتبع السيادة المحلية، بخلاف قناة السويس التي هي جزء من الارض المصرية بشكل كامل. لهذا لا نجد مبررا منطقيا ان يفتعل الاسرائيليون كل هذه المعارك، وارباك الملاحة الدولية، من اجل الوجود عسكريا في منطقة هم أصلا يعرفونها أكثر من أهلها.

الفريق الثاني يعتقد ان القراصنة ليسوا الا امتدادا للميليشيات الايرانية في المنطقة، مثل حركة حماس وتنظيم حزب الله. ويستدلون من سلوكهم واهدافهم على انهم جزء من الحرب الاقليمية مع ايران. أحدهم دلل على قدرات القراصنة وانه لا يمكن ان تكون مجرد عصابات بسيطة التسليح والتجهيز. يقول انهم يملكون معلومات مبكرة عن نشاط الملاحة، ويختارون اهدافا دقيقة، ويستطيعون تنفيذ عملياتهم كأي كوماندوز بحري مدرب. يصعدون من قوارب صغيرة على سفن عالية، ويسيطرون بشكل كامل على الهدف والابحار به الى الميناء. ناقلة عملاقة، مثل سيريوس ستار السعودية، سيطر القراصنة عليها بشكل سريع وكامل ولم يسمع من بحارتها أية استغاثة. يقول انهم اكثر من مجرد قراصنة بسطاء يهجمون على سفينة مزودة بوسائل انذار متقدمة، على سفينة تحتاج من المرء اكثر من ساعة حتى يسير على قدميه على سطحها، ثم يستطيعون الابحار بالناقلة ليومين الى الشاطئ الصومالي باستخدام تقنية الارشاد والملاحة المتطورة. الأمر مثل محاولة سرقة زرافة من حديقة الحيوانات الى بيتك البعيد وفي وضح النهار بدون ان يشعر احد بذلك.

لكن لماذا يخوض الايرانيون معارك في بحار مكشوفة، للأميركيين الغلبة الكاملة، خاصة انهم ضعفاء في مياه الخليج، المواجهة لمياههم الاقليمية؟

العصابات الصومالية قد تنفذ عمليات، ضمن الصراع الدائر واستئجار الميليشيات، لصالح قوى مثل ايران او اسرائيل او حتى الولايات المتحدة، لكن يعرف الفاعل جيدا انها ستنقلب ضده وستستخدم ضد سفنه. وبالتالي فإن تأسيس او دعم ميليشيات بحرية معركة خاسرة مقدما مهما كانت الفدى المالية المدفوعة.

[email protected]