بين القرصنة والميليشيا

TT

اعتدنا في قاموس المصطلحات السياسية المبتكرة حديثا بعد كل ازمة تحدث في مكان ما محاولة ضرب المثل في محاولة عدم تكرار حالة مشابهة في مكان آخر استخدام كلمة تعكس جغرافية المكان للتحذير من الوقوع في مطب مماثل كما حدث بعد الحرب الاهلية اللبنانية مثلا في الثمانينات عندما انتشر تعبير «لبننة».. او بعد ما حدث في افغانستان.. «افغنة».. او العراق.. «عرقنة».. وهكذا وصلنا الى «الصوملة» او ما يحدث في الصومال الذي لم يعرف دولة او سلطة حقيقية مركزية منذ انهيار عهد سياد بري.

وعلى عكس المشاكل الاخرى التي وقعت في مناطق لها اهميتها الاستراتيجية او تأثيرها القوي على مصالح اقليمية ودولية فأن الصومال منذ المحاولة القصيرة التي انتهت في الثمانينات بالخروج المهرول للقوات الدولية التي كانت موجودة هناك لم يعرف اهتماما لا دوليا ولا اقليميا جادا بمحاولة انقاذه من الفوضى التي تعصف به، وأمراء الحرب الذين وجدوا في الفوضى وضعا مثاليا للثراء والنفوذ واستغلال البشر الفقراء الذين يحاولون بالالاف الهروب عبر البحر في قوارب الى اي مكان آمن ليسقطوا فريسة سهلة لتجار قوارب تهريب البشر فيغرقون بالمئات في البحر او امام ساحل اليمن.

ومثل اي بلد يعاني ازمة داخلية حادة وانقسامات بين مناطقه، وافتقاد الى سلطة مركزية تؤمن وجود دولة تفرض القانون والسيادة لا تلبث الازمة بعد ان تأخذ مدها داخليا وتنخر الجسد الداخلي للبلد ان تبدأ في تصدير مشاكلها الى الخارج خاصة جوارها الاقليمي، فالفوضى الداخلية مناخ مثالي لتنظيمات الارهاب التي تبحث عن مكان يكون قاعدة لها، وكذلك عصابات الجريمة، واخيرا كما رأينا فان الازمة افرزت شيئا غير مسبوق وهو ان تهدد مجموعة من قراصنة القوارب واحدا من اهم الممرات الملاحية الدولية عند مدخل البحر الأحمر، ويدفعون بعض شركات الملاحة الدولية الكبرى الى تغيير مسار سفنها الى رأس الرجاء الصالح.

وقد بدأت عمليات القرصنة صغيرة في البداية باختطاف قوارب او سفن صغيرة ولم يتنبه كثيرون الى الخطر المستقبلي حيث طور القراصنة اساليبهم ومعداتهم وبنوا ميليشيات قوية توظف آلافا واقتصادا صغيرا مزدهرا يعتمد على الفدى التي يدفعها اصحاب السفن المختطفة للافراج عن سفنهم وطواقمها حتى وصلنا الى الوضع الذي نحن فيه اليوم حيث اصبحت القرصنة ازمة دولية تستلزم حشد الاساطيل عند مدخل البحر الأحمر بعد ان تمكن القراصنة من خطف سفن كبيرة وصلت الى درجة سفينة اسلحة اوكرانية وناقلة نفط سعودية عملاقة.

وفي قضايا القرصنة الاخيرة هناك الكثير من التساؤلات التي لا تجد اجابة شافية عليها وتطرح تساؤلات عن امتدادات للقرصنة خارج نطاق الصومال نفسه، وهي اسئلة تتعلق بالكيفية التي يحصل بها القراصنة على المعلومات عن تحركات السفن، والكيفية التي يتلقون بها الاموال والتي قدرت بـ150 مليون دولار في العام الاخير، ومن هي الجهات الوسيطة التي تنظم لهم الحصول على الاسلحة ومعدات الاتصال، وهي كلها اشياء تفترض ان هؤلاء القراصنة لديهم شبكة منظمة، وهم على اي حال يعتبرون ما يقومون به نوعا من البيزنس على حد تعبير احد ممثليهم للصحافة اخيرا.

لقد نجح القراصنة سواء كانوا يقصدون او لا يقصدون في جذب انتباه العالم الى الازمة الصومالية المنسية، فهم احد افرازات المشكلة هناك ولكنهم ليسوا كل شيء، والحل لا يجب ان يقتصر فقط على مواجهة اعمال القرصنة في البحر، او في الاستهانة بمليشيا اخرى مثل الشباب الاسلامي وكأننا اتينا بالقاعدة في مواجهة القراصنة لنجد مشكلة اخرى اكبر واضخم مستقبلا، الحل هو في تكاتف دولي واقليمي من اجل اعادة بناء الدولة هناك والمساعدة في ايجاد حكومة قوية تستطيع ان تفرض سيطرتها على البلاد وتطبق القانون، الحل في التوقف عن خوض القوى الاقليمية صراعاتها على ارض الصومال وتغذية طرف ضد آخر لان الفوضى هناك تعني ان الجميع سيخسرون في منطقة القرن الافريقي.