على من ترمي إيران قنبلتها النووية؟

TT

انه سؤال جاد، وليس من قبيل الإثارة الصحفية، اجتمع لدراسته الخبراء من أجل بحث كل الاحتمالات. أحدهم يعتقد أن إيران تنوي استهداف مدينة نيويورك باستخدام سفينة لا تدل على هويتها تحمل صاروخا من طراز «شهاب 3». يشرح البروفسور براين كينيدي في مقال نشره في صحيفة الوول ستريت أن الوسيلة سهلة والنتيجة مخيفة، «عندما ينفجر الصاروخ سيودي بحياة مليون شخص، ويعطّل جميع الأجهزة الكهربائية، وتعود أميركا إلى القرن التاسع عشر».

في ظني انه احتمال بعيد، أولا لأن أميركا حصنت سواحلها وأجواءها وتراقبها جيدا. وثانيا لأن من سيقذف قنبلة نووية على أي مدينة أميركية يعلم الرد جيدا، ستمحى بلاده من على وجه الأرض في نصف نهار، ولن نشهد معارك بطيئة مثل معارك العراق. ففي الترسانة النووية الأميركية أكثر من أربعة آلاف قنبلة و67 ألف صاروخ نووي، كافية لمحو نصف الكرة الأرضية. لذا فان احتمال إسقاط قنبلة إيرانية ضد أهداف أميركية مستبعد. إنما احتمال الأضرار بالمصالح الأميركية وارد جدا وفي تصوري أنها ستكون منطقة الخليج، لا أقولها من قبيل المزاح، ولا يفترض أن تلغى من التفكير من باب الاعتماد على المنطق والعقل. فالهدف المحتمل لأي رئيس إيراني يقرر غدا حسم النزاع نوويا، هو واحد من اثنين، إما إسرائيل أو الخليج العربي. قصف إسرائيل مستبعد لأنه سيواجه، أيضا، بهجوم نووي صاعق سيدمر كل المدن الإيرانية، وعمليا يقضي عليها نهائيا، نظرا لضخامة الترسانة النووية الإسرائيلية، والتعهدات الأميركية بحمايتها. مما يجعل إيران أمام هدف شبه وحيد إن أرادت الإضرار بأميركا بأقل خسارة من ردود الأفعال، هو الخليج.

نحن أمام خيارين، إما أن نصدق ونثق بان القيادة الإيرانية تقدر المخاطر وتحكم العقل، ولن يتسبب في قتل مليون إنسان من اجل الانتصار في الحرب يمكن أن تحل وديا. وهذا يعني أننا لم نتعلم من درس صدام العراق. أو الحل الآخر ألا نثق في احد، ونعزز الضغط الدولي على طهران حتى لا تبني سلاحها النووي. بالتأكيد منع التسلح النووي هو الأمثل. فنحن لا نستطيع أن نبني مستقبلنا على حسن الظن، الأيام الماضية علمتنا ألا نثق بأي زعيم، والأيام المقبلة لا تنتهي مفاجآتها. لقد شاهدنا كيف أفنت الأنظمة في المنطقة رجالها وأموال شعوبها في الحروب، ولا تزال تعتقد أنها بالقنابل تستطيع أن تحسم قضاياها، وتعزز سلطانها، وترضي غرورها. والقنبلة النووية هي جوهرة السلاح التي تسيل لعاب الكثيرين.

يدركون قوتها وكيف أن اصغر قنبلة يمكن أن تلقى من طائرة أو تزرع على رأس صاروخ، قادرة على حرق مساحة قطرها كيلومترين تقريبا. عندما تنفجر تشعل كرة من اللهب فتحرق كل من في دائرتها في دقائق، ومن ينجو في المناطق المحيطة تقتله العواصف الذرية والأمطار السوداء التي تهطل لأيام متتالية. إنه سيناريو مروع لا يعقل أن يترك لحكمة القيادات الغارقة في خلافاتها.

أدرك أن هناك من سيحتج بأن إسرائيل مدججة بترسانة من الأسلحة النووية، وهو بالفعل وضع مخيف جدا. لنواجه الواقع كما هو، أولاً إسرائيل لم تستخدم سلاحها النووي الذي تملكه منذ أربعين عاما، رغم أنها واجهت الهزيمة في حرب 73، ويستحيل أن تستخدمه ضد الفلسطينيين لأنها ستختنق معهم بالغبار الذري. وأهم من ذلك كله أننا لا نستطيع أن نجرد إسرائيل من سلاحها النووي.  إنما يجب أن يمارس الضغط عليها أيضا، ففيها من القيادات من الرعونة لا تقل عن طهران، تستعجل يوم القيامة وظهور المسيح أو المهدي المنتظر بالنسبة لإيران.

[email protected]