طريق وعر أمام مسافر

TT

كان يسعى إلى ذلك منذ سنوات، ربما طوال فترة بلوغه، وقد وصل إلى بغيته بدون مقدمات. وما اكتشفه هو أن داخل شرنقة حماية الخدمات الاستخبارية الجديدة، تقبع رئاسة الولايات المتحدة، وهو منصب يجعل المرء غير سعيد، إذ يبقي عليه وحيدا.

هذا هو ما أفضى به باراك أوباما في مقابلته التلفزيونية التي أذيعت في برنامج «60 دقيقة» على «سي بي إس» عندما سأله ستيف كروفت عما إذا كان قد تلقى أية نصائح من الرؤساء السابقين، وكان رده مثيرا للمشاعر، حيث قال: «أنت تعلم أن كل الرؤساء السابقين كانوا رائعين، لكني أعتقد أنهم جميعا يدركون أن هناك نوعا من الشعور بالوحدة يحس به من يشغل هذا المنصب. ستحصل على النصيحة والاستشارة، ولكن في النهاية ستكون أنت الشخص المنوط به اتخاذ القرارات».

كيف كان شعور أوباما حينما علم أنه سيكون رئيسا للولايات المتحدة؟ أجاب: «حسنا، أعتقد أن الأمر لم يتضح بعد». حاولت زوجته ميشيل توضيح ذلك، ووافق على ما قالته في تعجب، «هل كانت هذه مفاجأة؟»،

الرجل الذي قضى حياته كي «يكون رئيسا» يجب أن «يكون الآن هو الرئيس». وقد كان أوباما، كما وصفه ديفيد بروكس في صحيفة «نيويورك تايمز»، كعابر السبيل يمر بأماكن ومؤسسات لكنه لم يكن يوطد أركانه بها. لقد كان دائما في سعى لاكتشاف وتطوير قدراته، وقد يكون ذلك أمرا غير مسبوق في التاريخ السياسي الأميركي. وهو الآن على أعتاب البيت الأبيض.

يلعب أوباما على ساحة مختلفة الآن، تعرف بأنها لا تغفر فيها الأخطاء بسهولة، فبعد حملة لم تشبها أية أخطاء، بدأ فريقه للفترة الانتقالية في ارتكاب بعضها، فاختيار رام إيمانويل كبيراً للموظفين في البيت الأبيض كان خيارا جيدا، لكن الصورة التي أعلن بها عنه كانت غير ملائمة فقد أخبرت بعض وسائل الإعلام أن الوظيفة عرضت عليه قبل أن يوافق على قبولها، وهو ما كان سيضع الاثنين في موقف حرج إذا رفض.

وفي الأسبوع الحالي، كان هناك كلام حول هيلاري كلينتون كوزيرة للخارجية، وربما كان ذلك جرح آخر، فهيلاري موهوبة بشكل كبير لكنها ربما تكون خيارا خاطئا لشغل هذه الوظيفة، إذ إن لديها القدرة على تقويض دور أوباما التحولي في السياسة الخارجية، والتي يمكن أن تكون الفرصة الأكبر التي يمتلكها. إذا فلماذا يعهد بذلك إلى هيلاري وحاشيتها؟ ولذا فبعد كل تلك التكهنات فإن أوباما سيبدو وكأنه يستهزئ هيلاري وأنصارها إن لم تحصل على الوظيفة. وهنا نرى مرة أخرى أن ما نظرنا إليه على أنه فريق متكامل قد ارتكب بعض الأخطاء البسيطة.

ومن بين الأخطاء أيضا التقلص الكبير لحجم جو بايدن، نائب الرئيس المنتخب، فأين هو في هذه الأيام؟ أهم يحتفظون به في صندوق؟ ولا أعتقد أنه سعيد بفكرة اختيار هيلاري على رأس وزارة الخارجية، ألم يكن ذكاؤه في السياسة الخارجية هو السبب وراء اختياره؟

لقد تبنى أوباما فكرة مجلس وزاري قوي من أشخاص قد تكون بينهم خصومات، وهو أطلق عليه «فريق من المتنافسين» فيما كتبه المؤرخ دوريس كيرنز غودوين «بفريق الخصوم» عن إدارة أبراهام لنكولن. وهو ما انتهجه أيضا فرانكلين روزفلت بصورة كبيرة، حيث شكّل مجلسا وزاري من شخصيات قوية متناقضة في توجهاتها، ليتخذ قراراته بعد أن يتجادل الطرفان على الخيارات السياسية المختلفة. وقد يبدو ذلك جيدا عندما تضيف إليه شذا لنكولن وروزفلت، لكن عليك أن تتساءل عما إذا بمقدور الخلاف الداخلي أن يعزز الحكم الجيد. وقبل تشكيل فريق من الخصوم يجب على أوباما أن يستدعي إلى ذهنه المعارك التي كانت تحدث بين أكثر من جهة والتي كانت تعاني منها إدارة كارتر وكذا إدارة بوش.

وقد أعطى اختيار توم داشل، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأسبق، وزيرا للصحة والموارد البشرية، فكرة الوجه الإيجابي لفريق الخصوم، ولكن ليس لأنه خصم بحق.

وبما أن المسافر قد وصل إلى مقصده الآن، فمن الذي يمكنه أن يفقأ فقاعة الشعور بالوحدة المرتبطة بمنصب الرئيس؟ بإمكان الرؤساء أن ينكفئوا في منطقتهم تلك يحيطون أنفسهم بمجموعة من المستشارين والطفيليين ويصبحون في النهاية عرضة لاتخاذ قرارات خاطئة، أنظر إلى ما فعله ريتشارد نيكسون وليندون جونسون وبوش.

وبخصوص هذا السؤال، تعطينا المقابلة التي أذاعها برنامج «60 دقيقة» إجابة مشجعة. إن اختبار مصداقية أوباما ستأتي عبر زوجته ميشيل، فعندما أخبر كروفت أنها سألته ليلة الانتخابات عما إذا كان سيأخذ الأولاد إلى المدرسة في اليوم التالي، قاطعته بالقول «أنا لم أقل ذلك»، وعندما زعم أنه يحب غسل الأطباق اعترضت على ذلك بالقول «أنت؟ منذ متى وأنت تفضل غسل الأطباق؟».

حري بنا أن نشجع شيئا كهذا، كما يجب عليك أن تعتقد أن الرجل الذي يضحك في الوقت الذي تضعه زوجته بكل حب ولطف في صورته الصحيحة لهو شخص جيد، وفي هذه المرحلة الانتقالية، وإذ يوشك المسافر أنه يصل في النهاية إلى مقصده، فإن هذا شيء مطمئن.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»