من سوق «الندى» إلى «قابل» ـ «الخاسكية»!

TT

كنت أجر ظلي المتعب في درب صادف أن مر من أمامي حينما داهم سمعي رنين أساور معصمها.. كان الطقس ساخنا، وشمس الظهيرة توشك أن تلامس الرؤوس فتتفجر في الأجساد أنهار المياه المالحة، وهذا الحضور الأنثوي قد جاء في غير أوانه، فالظهيرة موعد قيلولة القلوب..

لا بأس أن تتباطأ قدماك، فبيننا وبين انطفاء النهار ساعات مزدحمة بطوابير العيون الجائعة، فالموعد لم يحن بعد، والنوارس لم تعد بعد، وجدة لم تخرج من البحر جنية ترمي شباكها على العابرين بعد..

عمال البلدية يمسحون عبارات الحب من جدار عتيق، و«روشن» في آخر الطريق يسقط ضحكات أشبه برنين فضة، بينما تلفاز المقهى الخالي من الزبائن يعرض ـ في الظهيرة ـ قصة حب مكسيكية ساذجة!

في أحد الميادين القريبة، تجمهر الناس حول جسد هزيل، لقد تورط صاحب الجسد في علاقة بامرأة، وتلفزيون المقهى ـ خارج الطقس ـ لا يزال يعرض قصة الحب الساذجة!

أجر ظلي المتعب، أتسكع أمام «فاترينات» تعرض ملابس نسائية، أحشو تلك الملابس بخيالاتي، وأسير مثقلا من سوق «الندى» إلى «قابل» فـ«الخاسكية».. وجوه كثيرة قابلت لم أعرف أحدا، لم يعرفني أحد..

تعثرت في تلك اللحظات بما كتبه «بلزاك»: «إن شهوة المجد تتعارض مع أن يسلم المرء زمام أمره إلى امرأة».. أصيح دون أن يسمعني أحد:

ـ تبا لبلزاك.. فالمجد امرأة.

في النهاية كنت أدلف إلى بوابة الجامعة العتيق، حينما كان الأذان يتعالى:

الله أكبر.. الله أكبر..

خلعت حذائي وأفكاري عند البوابة، وارتفع صوت الإمام مرتلا:

«قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم».

[email protected]