النقاش حول عرفات

TT

أثارت محاورات السيد ياسر عبد ربه في «الحياة» دهشة الكثيرين. وأنا من هؤلاء. وعلق الزميل داود الشريان مستنكرا بعض الصراحات، ومنها ان ياسر عرفات كان مفاوضاً غير ناجح. وثمة تلميحات اخرى الى بعض ملامح الضعف في شخصية أبو عمار.

وأعتقد بدوري ان عبد ربه لم يتجاوز الآداب في شهاداته على زعيم رافقه 35 عاماً مستمرة. نحن شعب عاطفي لا نقبل في الزعيم إلا ان يكون بلا أي أخطاء او هفوات او ضعف. والزعيم بشر من قلب وعقل، خصوصاً اذا عاش حياة مثل حياة ابو عمار، بين المقاتلين وبين الأمم وفي صراعات العرب وبين أرامل وأيتام الشهداء وبين فقدان الرفاق وجنازاتهم وفي الجهاد ضد اسرائيل، مقاتلاً ومفاوضاً وحاكماً. ونادراً ما نرى سيرة من لحم ودم تحملت ما حمله ابو عمار، من طباع الناس ومن شراسة الناس ومن انكار الناس ومن النوم كل ليلة في مكان ومن السفر ثم من العزلة والمنع من السفر. فقد كان يعيش مثل طائر، ويحاول ارضاء جميع العرب، ويحاول ان يطلب اعتراف الغرب، وان يحافظ على صداقة السوفيات.

ومن عمل الى هذا الحد لا يمكن ان يكون من دون مواطن ضعف. ومن دون أخطاء. وهو لم يكن يقرأ، كما ذكر عبد ربه، ولو فعل لكان منظراً آخر من منظري الأمة الذين تنقلوا في مقاهي بيروت طوال نصف قرن، يضحكون من جميع الذين نجحوا ويعاتبون الكراسي الفارغة لأنها لا تهتف لهم.

عندما يصبح الشخص ملكا للتاريخ، لا بد ان يكتب التاريخ اقرب ما يكون، او ما يمكن، الى الحقيقة. ومعظم ما ذكره ياسر عبد ربه عن طباع ابو عمار ومكونات شخصيته، كان يعرفه جميع عارفيه. روزفلت ايضاً كان مفاوضاً فاشلاً. وترومان كان لا يقرأ. ولكن الصفات الاخرى في الزعيم الفلسطيني جعلته يؤسس الثورة ويعود على رأسها الى جزء من الارض ويكتب أهم فصل على الاطلاق من فصول تاريخ فلسطين وصراعها الأبدي.

يبدو لي ان الجزء المجهول او شبه المجهول في حوارات عبد ربه هو الدور السياسي الذي لعبه محمود درويش. لقد أخفى كل شيء خلف تواضعه المذهل. ولم يدّع يوماً عملا او دورا. ولم يباهِ او يتباهى. وفي ذروة القوة الفلسطينية في بيروت، ظل يمشي مثل ظل وديع، مليء بالانسان الذي كان.