هل يفرض أوباما الحصار البحري على إيران؟

TT

يكشف اعتقاد الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد، بأن اقتصاد بلاده يمكنه الصمود امام تدني اسعار النفط، حتى اذا ما وصل سعر البرميل الى خمسة دولارات، عن عيشه في الأوهام وبعده عن حقائق الحياة اليومية للفرد الايراني، كما ان هذا الأعتقاد، اذا ساد، سيوفر الكثير على العالم، وعلى الرئيس الأميركي المنتخب باراك اوباما، لأن النظام الايراني ككل سينهار من دون حاجة الى تضييق المقاطعة الاقتصادية، او التفكير بشن هجوم عسكري اذا فشلت كل المحاولات الاخرى باقناع ايران بوقف برنامجها النووي.

فإما ان احمدي نجاد لا يدرك الواقع، او انه يستغبي الشعب الايراني وكل الاطراف والاحزاب المعتمدة على الدعم الايراني، ذلك ان سقوط سعر النفط الى الاربعين دولاراً للبرميل وبقاءه على هذه الحال مدة سنتين او اكثر، يهدد فعلاً بقاء النظام الايراني.

لقد اعتمدت حكومة احمدي نجاد على شراء ولاء الناس «المستضعفين» في ايران، من دون ان تؤمن لهم املاً بمستقبل افضل، لكن مع بدء تدهور اسعار النفط صارت هذه الحكومة عاجزة عن توفير ابسط مستلزمات الحياة، وسيخرج الأمر عن سيطرتها بعد اقل من سنة، فحتى عندما كانت اسعار النفط مرتفعة، وكان كل اعتماد احمدي نجاد على عائدات النفط، وصلت البطالة والتضخم الى حوالي 25%، واليوم يبدو الفشل الاقتصادي على كل المستويات، وعندما سيتأزم الوضع اكثر ويضاف اليه حصار اميركي ودولي اكثر تشدداً، سيصبح هّم النظام كيفية المحافظة على بقائه، ولن يتردد عندها بالتضحية باحمدي نجاد وبغيره.

في الفترة الأخيرة، عمدت الولايات المتحدة الى مقاطعة فعالة، منها قطع المصارف الايرانية عن النظام المصرفي الدولي. وفي السادس من هذا الشهر تشرين الثاني (نوفمبر) ألغت وزارة الخزانة الأميركية رخصة كانت تتوفر للمصارف الايرانية وتقضي بالسماح للمصارف الأميركية بتحويلات بالدولار لمصلحة المصارف الايرانية. مع الغاء هذه الرخصة لن تستطيع ايران مقابل بيعها لنفطها الحصول على الدولار، وهذا سيقلص خيارات بيعها لنفطها وسيزيد من عزلة المصارف الايرانية عن النظام المالي الاميركي.

هذه الاجراءات كشفت عن ان واشنطن بادارتها الجديدة، ليست مترددة في تضييق الخناق على ايران قبل الشروع في اي حوار رسمي علني او مفاوضات.

في هذه الاثناء تحركت فرنسا وبريطانيا في الاتجاه نفسه، اي باقناع الشركات المالية الاوروبية وشركات التأمين وتلك المهتمة بالطاقة، بوقف التعامل مع ايران من اجل مضاعفة الضغوط على طهران للتجاوب مع الدعوة الى وقف برنامجها النووي.

ولا تحتاج هذه الخطوة الى العودة الى مجلس الامن، حيث تعتمد ايران على حق النقض (الفيتو) الروسي والصيني، بل تقوم بها باريس ولندن على صعيد فردي، وتركزان على الشركات التي تبيع معدات تكرير النفط، لأن ايران في حاجة ماسة اليها، فرغم ان لديها احتياطي نفطي ضخم، الا ان محطات التكرير لديها متوقفة وتضطر الى استيراد ما تحتاجه من النفط، كما انه تنقصها التكنولوجيا لتحويل الغاز الى مادة سائلة وشحنه في السفن.

ولأن التعاطي مع برنامج ايران النووي سيكون من اكثر المشاكل الحاحاً التي تواجه الرئيس الاميركي المنتخب، فقد بدأت الاقتراحات الأميركية تنصب على طاولات مستشاري الرئيس للسياسة الخارجية، ولن تشعر ايران براحة من اختياره لمنصب وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي لم تتردد، اثناء حملتها الانتخابية من القول إنها ستمحو ايران عن الوجود، اذا ما هددت بقاء اسرائيل، ولن تنفع لاحقاً كل الحملات التي تعدها ايران، عبر اتباعها، من تهديدهم للمشروع الاميركي في المنطقة، ذلك ان المشروع الذي تكلموا عنه كثيراً، سيواجهونه اخيراً، ولن تنفع ترحيبات احمدي نجاد بضيوفه ومدحه لانجازات «حزب الله» في لبنان، في ابعاد كأس المشروع الاميركي المقبل الذي سيهدد بقاء النظام الايراني ككل.

في دراسة اعدها دايفيد اولبرايت واندريا شيل من مؤسسة العلوم والإمن الدولي، اشارا الى ضرورة ان تلزم الادارة الاميركية الجديدة، كل الدول التي تصّدر مواد نووية بأن تفرض شروط الشفافية على الدول المستوردة، بحيث تصر على ان تكون البرامج النووية مكشوفة امام المحققين الدوليين، وتصر على وضع بروتوكول اضافي، لأن الاتفاقيات المتعامل بها حتى الآن، تتيح للدول التي تطور برامج نووية، القيام سراً بتخصيب اليورانيوم، كما تفعل ايران، وسوريا حالياً، وكما فعلت الجزائر والعراق وليبيا سابقاً.

لكن ابرز المقترحات التي قدمت للإدارة الجديدة، هي الحصار البحري. ويأتي هذا الاقتراح انطلاقاً من ان ايران سترفض كل عروض الإدارة الجديدة بتطوير العلاقات الايرانية ـ الاميركية مقابل ان توقف ايران برنامجها النووي. ويرى واضعو هذا الاقتراح، بأن الولايات المتحدة ستكون قادرة على اتخاذ عقوبات صارمة، وحتى الأقدام على عمل عسكري، اذا اظهرت للرأي العام الاميركي وللعالم، بأنها استنزفت كل الخيارات الأخرى. ويرى هؤلاء انه يجب افهام ايران بعواقب تعنتها وبأن الوقت المعطى لها قصير جداً.

سيتم الإقدام على حصار بحري، بعد ان تفشل كل المحاولات الدولية، أكان عن عجز الولايات المتحدة على كسب توافق دولي حول كل خياراتها الأخرى بالمقاطعة او بسبب استمرار ايران في تعنتها.

يفضل واضعو هذا الاقتراح، ان يكون الحصار البحري متعدد الأطراف، وإلا من طرف واحد. ويمكن ان يكون شاملاً، او تدريجياً، بحيث يبدأ بالحد من واردات ايران النفطية، ثم يمكن ان يضاف اليه حصار جزئي جوي وبري، واذا فشلت كل هذه الاجراءات، عندها يبدأ التفكير بالعمل العسكري.

قد يعارض البعض خيار الحصار المائي الاحادي، على اعتبار انه يشكل خرقاً للقانون الدولي او يعتبر عملاً عسكرياً، ولا يعترض واضعو هذا الاقتراح، لأن تطوير السلاح النووي يشكل ايضاً خرقاً للقانون الدولي، وينسف قانون منع انتشار الاسلحة النووية، ثم ان نظاماً يهدد بتدمير دولة عضو في الامم المتحدة، انما ايضاً يخرق كل القوانين الدولية. ويقولون، ان الحصار البحري قد يكون السبيل الوحيد للقضاء على الخطر النووي الايراني،، من دون اللجوء الى العمل العسكري المكلف بشرياً ومادياً.

وفي حال الإقدام على حصار بحري، فان ايران تصبح عرضة، واحتمالات اذعانها للشروط الدولية ستصبح متوفرة. ان الشعب الايراني سيعاني اكثر، عندها ستصبح التهديدات الايرانية بالقيام بعمليات عسكرية على المحك. ان ايران ماهرة في التخويف، ولكنها حريصة على عدم التورط، وفي حال الحصار البحري ستصبح قدرتها العسكرية على الرد محدودة. هي تريد تجنب مواجهة عسكرية، الحصار البحري ليس عملاً عسكرياً بالمعنى الكامل، انما خطة «حريصة» من قبل العالم، لابلاغ الايرانيين بأن نظامهم، همه حماية نفسه وليس مستقبل شعبه.

مع الحصار البحري، واذا رافقه حصار جوي وبري، سيكون احمدي نجاد مضطراً لدفع ثمن برميل النفط اكثر من مائة دولار، وليس خمسة دولارات.

سيكثر الآن، هرب احمدي نجاد الى الامام، وسنسمع كثيراً عن اعدام جواسيس يعملون لمصلحة اسرائيل، او اعتقال شبكات تجسس جندتها اسرائيل لاغتيال شخصيات ايرانية. لقد مرت دول عربية كثيرة في هذه المرحلة، فعجزها عن ادارة اقتصادها، كان يدفعها لالهاء شعوبها بالانكباب على ملاحقة الجواسيس الذين يعملون لزعزعة الانظمة لصالح اسرائيل.

بسبب ذريعة اسرائيل، اغرقت انظمة عربية كثيرة شعوبها في حالات الفقر والجهل والتخلف. الآن جاء دور النظام الايراني، لكن الفرق ان العالم ترك تلك الأنظمة العربية تعبث بمستقبل شعوبها وشعوب الدول المجاورة لها، لأنها كانت غارقة في الفساد، اما ايران، فانها كل هذا، يضاف اليه برنامج نووي.

احد الخبراء الايرانيين، نصح النظام الايراني بانقاذ نفسه، والانفتاح على اسرائيل. فهل يكون ثمن انقاذ النظام الايراني لبقائه، التخلي عن البرنامج النووي واعادة العلاقة الايرانية ـ الاسرائيلية الى ما كانت عليه في السابق؟

ان فضيحة «ايران غيت» ليست قديمة.

قد يكون زمن العجائب انتهى، لكن زمن المفاجآت لم ينته بعد!