إسرائيل وفخ الشرق الأوسط..

TT

منذ ما يزيد على العامين باتت قصص ومعاناة الفلسطينيين جراء الحصار الاسرائيلي العنيف والقسري لقطاع غزة من عاديات الأخبار الواردة في الإعلام والصحافة. خطا هذا الحصار خطوة أكثر تشدداً وصلفاً قبل حوالي الثلاثة أسابيع شملت إلى جانب مفاقمة المأساة الانسانية والاجتماعية الفلسطينية حظراً على الصحافة الدولية من الدخول وتغطية المعاناة الجماعية الناجمة عن تضييق الخناق العسكري الاسرائيلي على القطاع.

اسرائيل كانت حظرت على الصحافة الاسرائيلية نفسها ومنذ بدء الحصار قبل عامين الدخول إلى القطاع لكن تم اللجوء إلى تشديد الحصار على الإعلاميين بشكل مطلق مؤخراً، بناء على طلب من وزير الدفاع الاسرائيلي إيهود باراك الذي يعتبر أن تغطية وسائل الإعلام الدولية للحصار ليست نزيهة وتنحاز إلى الفلسطينيين.

العنت الاسرائيلي تجاه الإعلام قوبل باحتجاج دولي عبر تقارير ورسائل من رؤساء صحف ووكالات غربية تحتج على هذه الخطوة التي تنال من صورة اسرائيل المتضررة أصلاً. الخطوة نفسها أثارت نقاشاً داخلياً اسرائيلياً حول صوابية هذه الخطوة وما إذا كانت التقارير التي تظهر صلف الجيش الاسرائيلي تجاه المدنيين الفلسطينيين أشد ضرراً على صورة إسرائيل من السمعة السيئة لدى الرأي العام العالمي تجاه الدولة العبرية وقرارها الذي يشوه صورتها كدولة «ديمقراطية»!! هذا النقاش حول صورة اسرائيل يدور في داخل اسرائيل وبينها وبين الغرب..

ما يعنينا من هنا وفضلاً عن الحاجة لرفع الحصار الفوري وتخفيف الأزمة عن الفلسطيينين، سواء إنسانيا هو الانتفاء الكلي لأي حرج لدى اسرائيل في التعامل مع الإعلام الدولي على النحو الذي يجري اليوم.

خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى في أواخر الثمانينات، سببت الصور والتقارير العالمية للارتكابات الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين انتقادات غير مسبوقة للدولة التي دأب الغرب على نعتها بالديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.

اسرائيل التي كانت حذرة تجاه صورتها حينها لم تعد كذلك اليوم..

فمن جهة يبدو أن الحساسية انعدمت حيال محاكاة قيم الحرية التي لطالما سعت اسرائيل إلى تقديمها إلى الغرب بصفتها منتوجاً شرق أوسطياً وحيداً، ومن جهة أخرى يبدو أن عيش اسرائيل في منطقة كالشرق الأوسط أفقدها ما كان الغرب يعتقد انفرادها به.

اسرائيل (دولة ومجتمع ومؤسسات) تراقب عن كثب انتهاكات الأنظمة المحيطة بها للحريات العامة والإعلامية ولعل متابعة اسرائيل الوثيقة للجوء معظم الأنظمة أو التنظيمات المسلحة «المقاومة» إلى اجراءات وممارسات قمعية بحق مجتمعاتها وجماهيرها جعل الدولة العبرية تتخفف من ثقل ممارساتها هي فسقطت مجدداً على ما يبدو في فخ هذه الانتهاكات وكرست انغماسها فيها كي يكتمل النسيج الشرق أوسطي الجديد. صحيح أن المستهدف بالانتهاك الاسرائيلي الذي نتناوله هنا هو المجتمع الفلسطيني في غزة، لكن من يملك استعدادات لانتهاك حقوق شعوب ومجتمعات أخرى لا شك أنه سيأتي يوماً وينتهك فيه حقوق مجتمعه ومؤسساته تماماً كما هو حاصل في بلادنا.

diana@ asharqalawsat.com