هو الذي دق الباب

TT

سمي مارون عبود في أواخر عمره شيخ الأدباء. لكنه كان يكره الألقاب وطالما سخر من تسمية الأخطل الصغير أميراً للشعراء بعد شوقي. فقد كان يكرر أن شوقي هو متنبي العصر وكما لم يكن للمتنبي خلف فلا خلف لخلفه. وأعذروا التورية.

عرف مارون عبود بأبي محمد. فقد أطلق على بكره اسم محمد. وعندما سئل في ذلك قال، لقد ولدت باسم اعطانيه أهلي الذين لا يقرأون ولا يكتبون، وأريد أن أعيش بكنية أعطيها لنفسي، فمن قرأ القرآن لا يعود يريد اسماً آخر.

كان أبو محمد ناقداً حاداً ودقيقاً. ولم يوفر أحداً من شعراء المرحلة. لا الأخطل الصغير ولا سعيد عقل ولا أمين نخلة ولا الشاعر القروي. وكان يغربل القصائد كالقمح والزوان، بيتاً بيتاً، يعلي عاليها ويسوط هابطها. وكان الجميع يتحملون نقده لقاء فقرة من مديح. والجميع يرسلون إليه نتاجهم الجديد، طمعاً برأي أو جملة. ولم يسلم منه محمد الصافي النجفي، برغم حبه له. ولا الشاعر القروي. وذات مرة أرسل إليه «الشاعر المهجري» الياس قنصل بديوانه الجديد مقدماً له بهذه الكلمات: «إذا أردت أن تتكرم بإبداء رأيك في هذا الكتاب فآمل أن تهوي بلا شفقة على مواطن الضعف فيه».

فماذا كتب العبود؟ بدأ تعليقه بالقول: «لبيك يا أخي. لا توصَّ حريصاً. أما على هذا عاهدت نفسي حتى تعود من حيث أتت؟». كان عنوان الديوان «السهام» فقال عبود «تغربنا لنأكل الكباب فاشتهينا المرقة. ليس في الديوان كله قصيدة من الشعر الذي ننشد. بل هناك قواف وأنغام ألّفناها حتى سئمناها وأفكار عمت حتى خمت. فالديوان صراخ وعويل. فقنصل في ديوانه عنترة ابحَّ. عنترة القصة لا المعلقة».

ويعلق على قصيدة عنوانها الحرية فيقول «أما موشح الحرية فكله اجترار، ألفاظه من الخرثى، من تلك السلع المعروضة في بندر أدبنا العربي، فكأن ديوانه حوانيت سوق أبي النصر، فيه: أيدي الوئام، وسجل الحقب، وحجاب القتام، ونيل الأرب، وأبناء مثل الأسود، وسراي الوعود، وصافحوا كف العلاء، وذكر باق ليوم النشور. ما ابتلى الأدب العربي بهذا التعفن والجمود، شعراً ونثراً، إلا هذه الفسيفساء فأشبه بعضه بعضاً كأنه صنع فبركة لا عمل فنان».

هل كان من الضروري أن يطلب قنصل رأي أبي محمد؟