لقطع الطريق على «حماس» أختير عباس رئيساً للدولة الفلسطينية

TT

في اليوم ذاته الذي اجتمع فيه المجلس المركزي الفلسطيني في رام الله وانتخب محمود عباس (أبومازن) رئيساً للدولة الفلسطينية، بالإضافة الى رئاسته للسلطة الوطنية، استضافت دمشق مؤتمراً تحت لافتة «حق العودة»، كانت حركة «حماس» واجهة له وتم التحشيد إليه ليكون مهرجاناً لأكثر من خمسة آلاف مشارك جرى استقدام بعضهم من الأردن ومن لبنان، واتضح أن هدفه هو شتم منظمة التحرير والتنديد بالرئيس الفلسطيني و«سلطته» وإلصاق أقبح الأوصاف بالعملية السلمية وتحميل الدول العربية مسؤولية حصار غزة واعتبار ان مصر هي المسؤولة عن إغلاق معبر رفح «الذي يتسبب إغلاقه»، كما قال خالد مشعل، في معاناة أهل القطاع الشديدة.

قبل انعقاد هذا المؤتمر، الذي من المتوقع ان تتلوه خطوات إجرائية ضد منظمة التحرير وضد السلطة الوطنية وضد محمود عباس (أبومازن)، جرى الترويج على نطاقٍ واسع وتحت لافتة «حق العودة» نفسها لضرورة اختيار مجلس وطني جديد، بديلاً لهذا المجلس الحالي وعلى أنقاضه ليحل محل المنظمة ويكون هو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وعلى ان يتم هذا الاختيار من خلال إجراء انتخابات «حرة وديموقراطية»! للفلسطينيين الموجودين في مناطق الشتات والهجرة وللموجودين في الضفة الغربية وقطاع غزة وأيضاً في الأرض المحتلة منذ عام 1948.

وبالطبع فإن الذين روَّجوا لهذه الفكرة ولخطوة عقد مؤتمر دمشق الأخير الذي عقد تحت لافتة «حق العودة» الذي في حقيقة الأمر لا يوجد أي اختلاف عليه من حيث المبدأ، لا فلسطينياً ولا عربياً، حرصوا حرصاً شديداً على إظهار منظمة التحرير على أنها لم تعد ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني وأن المجلس الوطني الحالي قد فقد مكانته وشرعيته وأن الأطر الفلسطينية القائمة، ومن بينها السلطة، باتت غارقة في الفساد !! وأنها أصبحت عبئاً على الفلسطينيين لا بد من إزاحته والتخلص منه.

كان هناك قبل مؤتمر دمشق هذا بأيام لقاء مختصر في عمان حضره أحد المروجين، ربما عن حسن نية وبطيبة قلب، لضرورة «انتخاب» مجلس وطني جديد يكون عنوانه وشعاره «حق العودة» ويكون بديلاً لكل ما هو قائم الآن. والغريب أن ما قاله هذا الطيب القلب قد قاله خالد مشعل في هذا المؤتمر الدمشقي الآنف الذكر إن لجهة تحميل العرب مسؤولية حصار غزة أو لجهة اتهام السلطة الوطنية بالعمالة لإسرائيل واعتبار ان منظمة التحرير بكل أطرها وأجهزتها لم تعد تمثل الفلسطينيين وأن محمود عباس (أبومازن) قد أسقط ، من خلال عملية السلام والمفاوضات مع الإسرائيليين، كل الثوابت الفلسطينية الأخرى !

والواضح أن الخطوة الثانية التي ستتلو خطوة عقد مؤتمر دمشق، الذي انعقد في قصر المؤتمرات برعاية رسمية سورية وحضورٍ إيراني مميز هي خطوة إنشاء هذا المجلس الوطني الجديد الذي ربما يتم اختيار خالد مشعل رئيساً له ليصبح بإمكانه ان يكون بديلاً للرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) الذي تصر هذه الحركة، ومعها تنظيمات وهمية لها نفس المرجعية ونفس مصادر التمويل، على ان ولايته ستنتهي في يناير (كانون الثاني) المقبل وأنه بعد ذلك لن يكون رئيساً للسلطة الوطنية.

وهنا فإنه لا بد من إيضاح نقطة هامة جداً وهي انه إذا كانت هناك إمكانية لانتخابات لهذا المجلس الوطني الجديد، الذي يراد له ان يكون بديلاً لمنظمة التحرير والمجلس الوطني الحالي وناطقاً باسم الشعب الفلسطيني، في بعض دول أوروبا وفي الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية، فإنه لا وجود لمثل هذه الإمكانية على الإطلاق في معظم الدول العربية، إن ليس كلها، والسبب أن إجراءً كهذا سيتسبب في إشكالات، أمنية وسياسية كثيرة، إن بالنسبة للدول المضيفة المعنية وإن بالنسبة للاجئين الفلسطينيين الذين كانوا قد ذاقوا الأمرين من تجربة وصيغة «الدولة داخل الدولة» وعلى غرار ما جرى في الأردن في عام 1970 وما جرى في لبنان منذ ذلك الحين وحتى الآن.

ولعل ما تجدر الإشارة إليه، ان وضع الفلسطينيين في الأردن يختلف عن وضعهم في لبنان وسوريا ومصر والعراق، ففي الأردن يتمتع جميع اللاجئين الذين غادروا مدنهم وقراهم عشية قيام دولة إسرائيل وبعد ذلك، والذين عبروا نهر الأردن من الغرب الى الشرق في عامي 1947و1948، بالجنسية الأردنية الكاملة وهم يُعتبرون مواطنين أردنيين وعلى قدم المساواة، من حيث الحقوق والواجبات والمشاركة في الانتخابات وإشغال الوظائف على مختلف مستوياتها، مع أشقائهم من أبناء الضفة الشرقية مع احتفاظهم بحق العودة وفقاً للقرار الدولي رقم 194.

ثم والى جانب الأردنيين «من أصول فلسطينية»، الذين لهم ما للأردنيين وعليهم ما عليهم، فإن هناك «النازحين» الذين غادروا الضفة الغربية خلال حرب يونيو (حزيران) عام 1967 وبعدها وهؤلاء من المفترض ان يعودوا من حيث جاءوا الى مدنهم وقراهم بموجب نصوص معاهدة وادي عربة التي وقعها الأردن مع إسرائيل في عام 1994 كما هو معروف.

ويبقى علاوة على هؤلاء النازحين، الذين لا يعتبرون أردنيين رغم حملهم لجوازات السفر الأردنية بدون أرقام وطنية، ان هناك عشرات الأولوف من الذين نزحوا من غزة في هذه الحرب الحزيرانية المشار إليها وبعد ذلك، وهؤلاء من المفترض ان يعودوا الى قراهم ومدنهم في «القطاع» بمجرد استقرار الأمور هناك والمفترض أنه لا اعتراض على عودتهم لا من قبل إسرائيل ولا من قبل السلطة الوطنية التي ستصبح الدولة الفلسطينية.

ولهذا فإنه غير ممكن وعلى الإطلاق ان يسمح الأردن بإجراء انتخابات لهذا المجلس الوطني الجديد، فهو لايزال يعترف بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني وهو لم يتخل ولن يتخلى عن المجلس الوطني الحالي الذي يستضيف مقر رئاسته في العاصمة الأردنية عمان وهو، وهذا هو المهم، لن يوفِّر للإسرائيليين الدليل الذي يريدونه لإعطاء المصداقية لادعاءاتهم القائلة ان الدولة الفلسطينية المنشودة تقوم حاليّاً في ضفة نهر الأردن الشرقية.

ثم وبالعودة الى اجتماع المجلس المركزي الذي انعقد في رام الله في اليوم ذاته الذي انعقد فيه مؤتمر «حق العودة» في دمشق فإننا نجد ان اختيار محمود عباس (أبومازن) رئيساً للدولة الفلسطينية بالإضافة الى رئاسته للسلطة الوطنية قد جاء كإجراء احترازي لقطع الطريق على حركة «حماس» ومنعها من ان تلجأ من خلال هذا المجلس الوطني الجديد الذي يجري الحديث عنه الى ملء الفراغ والسيطرة على هذا الموقع الذي بقي شاغراً منذ وفاة الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات، رحمه الله، قبل أربعة أعوام.

وهنا فإنه لا بد من إيضاح ان هناك فرقاً بين رئاسة الدولة الفلسطينية ورئاسة السلطة الوطنية التي لم تصبح دولة بعد، فرئاسة الدولة تنبثق عن منظمة التحرير ومجلسيها الوطني والمركزي ولذلك فإنها تعتبر ممثلاً للشعب الفلسطيني كله، أما رئاسة السلطة الوطنية فإنها إحدى استحقاقات اتفاقيات أوسلو وإنها تنبثق عن الانتخابات التي تجري في الضفة الغربية وقطاع غزة وهكذا وبعد قرار المجلس المركزي في اجتماعه الأخير في رام الله يوم الأحد الماضي فقد أصبح محمود عباس (أبومازن) رئيساً للدولة وللسلطة ولمنظمة التحرير وهو بهذا قد قطع الطريق على حركة «حماس» وحال دون ان تلجأ من خلال هذا المجلس الوطني الجديد الذي يجري الحديث تحت شعار «حق العودة» الى القفز لملء الفراغ الذي تركه رحيل (أبوعمار) رحمه الله والذي كان قد تم اختياره رئيساً للدولة الفلسطينية في المنفى، التي كانت ولاتزال دولة معنوية، في عام 1989 أي بعد عام واحد من دورة المجلس الوطني التي انعقدت في الجزائر واتخذت قرار إعلان الاستقلال الفلسطيني في الخامس عشر من يناير (كانون الثاني) عام 1988 .