إطار لتحقيق النجاح في العراق

TT

من الواضح أن الحرب، التي كانت تبدو يوما أن تنتهي بالمروحيات تهرب من السفارة الأميركية في حالة من الذعر، ستضع أوزارها نتيجة لإجراء برلماني، حيث من المقرر رفع اتفاقية مهمة بشأن وضع القوات لقراءة أخيرة في البرلمان العراقي، وتشترط هذه الاتفاقية انسحاب القوات المقاتلة الأميركية من المدن العراقية بنهاية يونيو (حزيران) ومن العراق كلية بنهاية عام 2011.

وستطوي الموافقة على اتفاقية وضع القوات صفحة من صفحات التاريخ زينتها الكثير من المفارقات، فالرئيس بوش، الذي كان يصف أي جدول زمني للانسحاب بأنه «عشوائي» و«غير مقبول»، ينهي ولايته بالموافقة على جدول زمني، ليرث الرئيس المنتخب باراك أوباما عراق أكثر استقرارا بسبب سياسات كان يعارضها بقوة. وتؤكد الحكومة العراقية، التي طالما انتقدها الأميركيون بوصفها ضعيفة وغير فعالة، على سيادتها بطريقة حاسمة، بغض النظر كان ذلك في الاتجاه الجيد أم السيئ.

وتبدو المواعيد النهائية للانسحاب التي تضمنتها اتفاقية وضع القوات كما لو كانت تنازلات من إدارة بوش، وهي فعلا كذلك. ويحرص المسؤولون على أن يشيروا إلى الانسحاب المقرر أن يحدث في يونيو (حزيران) من المدن العراقية على أنه مجرد تقنين للعملية الحالية لنقل السلطة في المحافظات للقوات العراقية، وأن كلا الطرفين له الحرية في إعادة التفاوض بشأن الاتفاقية عندما تنتهي خلال ثلاثة أعوام. بيد أن هذه المواعيد النهائية المدرجة في اتفاقية وضع القوات تحد المرونة التكتيكية الخاصة بالرئيس المقبل بصورة ما كان ليفضلها الرئيس الحالي.

من المحتمل أن يستفيد كلا الرئيسين من تلك الاتفاقية، فإذا ظهرت حكومة عراقية لها قاعدة واسعة في الوقت الذي تنسحب فيه القوات الأميركية، فسيتطلب الأمر إعادة تقييم تاريخية كبرى لسياسات بوش في العراق، وستتيح اتفاقية وضع القوات للرئيس أوباما إعادة تفسير تعهداته خلال حملته الانتخابية بخصوص العراق بطريقة أكثر مسؤولية، مع احترام أفضل النصائح العسكرية خلال الأعوام الثلاثة المقبلة وتجنب الأعمال التي من شأنها أن تتسبب في زعزعة الاستقرار. وقد حقق النجاح الذي تسببت فيه زيادة عدد القوات أشياء غير عادية، فبالإضافة إلى إمكانية تحقيق السلام في العراق، ظهر تقارب في السياسة الأميركية، فالمواقف المعدّلة لبوش وأوباما متقاربة إلى حد ما، حيث وافق كلا الرئيسين على انسحاب متدرج مسؤول مع إمكانية تحقيق نجاح في العراق بدلا من الفشل. وبالطبع، سيعتمد الكثير من هذا على العراقيين أنفسهم، ولاسيما رئيس الوزراء نوري المالكي وقياداته، فإذا لعب المالكي دور قومي معتدل، سيمكنه ان يؤسس لدولة مستقرة موحدة، وإذا ما استخدم الجيش الذي أسسناه لملء الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأميركي لمهاجمة أعداءه وتعزيز قوة الشخصية، فمن الممكن أن يفجر حرب أهلية أخرى مع السنة. ويعتقد مسؤولو الإدارة أنهم أخذوا التدابير الوقائية التي سوف تقوي للقومية العراقية أمام القومية الشيعية المدمرة، وقد دمجت القوات الأمنية العراقية والشرطة بحرص، كما أن الانتخابات المحلية التي ستجري في يناير (كانون الثاني) المقبل سوف تعطي المزيد من النفوذ للسنة (الذين اتسموا بالحمق حين قاطعوا الانتخابات الأخيرة). ويمكن أن تكون الانتخابات المقرر عقدها في ديسمبر (كانون الأول) من العام المقبل بمثابة اختبار لطموحات المالكي وسوء استعماله للسلطة.

لن يكون التعامل مع العراق الجديد شيء سهل، حيث أصبح العراق مليء بالأشواك ويغار على سيادته ويصر على تجنب حتى ظهور الإمبريالية الأميركية، ولكن يعني ذلك أيضا أنه قد أصبح بلدا «عاديا» يحكم نفسه بنفسه، وسط الكثير من الكلام في الداخل حول أمنه بعد ستة أعوام من نهاية طاغية شرير.

لقد كانت كلفة هذا النجاح باهظة بالنسبة لأميركا، ويرى البعض أنه كان لا يستحق هذا الثمن. ومع ذلك فإنه نجاح.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»

أمير سعد سعيد