لنترك الرجل يدخن

TT

مازال مقبولا أن يحدث تمييز ضد جماعة معينة من الأميركيين، ومثل هذا التمييز قانوني، ويتم التشجيع عليه. ترى أفرادا من تلك الأقلية المضطهدة المظلومة مجتمعون في العراء تحت الأمطار والثلوج، وتراهم محرومون حتى من السعي لطلب ملاذ. ومع ذلك، لا يشعر أي شخص بالأسى تجاههم. وقد نكون قد انتخبنا أخيرا واحدا من هؤلاء المنبوذين ليشغل منصب رئيس البلاد.

يعتبر التدخين عادة مثيرة للاشمئزاز، ومن الممكن أن تودي بحياتك أنت ومن حولك، ويزعم أوباما أنه أقلع عن التدخين، إلا أن الدليل على ذلك ما زال غامضا. فضلا عن أن ضعف الاهتمام الإعلامي بهذه القضية يدعم القول الذي يشير إلى أن أوباما يستمتع بأحلى أوقاته مع وسائل الإعلام. ولنقارن ذلك بالاهتمام الإعلامي الذي انصب على الورم القتاميني لدى جون ماكين؛ وهو مرض من الممكن أن يودي بحياته أكثر من التدخين في السنوات الأربع المقبلة، إلا أنه في النهاية أمر خارج عن سيطرته.

وفي المقابل، فإن التدخين سلوك. كما أنه يقدم نموذجا بائسا أمام للشباب، الذين ألهم أوباما الملايين منهم بالقيام بأدوارهم كمواطنين فاعلين.

ولم ينكر أوباما يوما أنه كان من طائفة المدخنين في أغلب فترة بلوغه. وقال إنه في فبراير (شباط) 2007 وعد زوجته بالإقلاع عن التدخين ليخوض الانتخابات الرئاسية. وأقر أيضا في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام ـ وبعد انقضاء ثلاثة أرباع مدة حملته الانتخابية ـ أنه لم يفعل ذلك. وفي مايو (أيار)، نشرت حملة أوباما خطابا من طبيبه؛ كتب فيه أن التاريخ الشخصي لأوباما «يتضمن فترات متقطعة من التدخين. وأنه قد أقلع عن هذه الممارسة في العديد من المناسبات، ويستخدم حاليا علكة النيكوتين بنجاح». في تلك الأثناء، أحجم أوباما عن التحدث كثيرا في هذا الشأن.

وتوضح تعليمات استخدام علكة النيكوتين، أنه يتعين على المستخدم أن يتوقف أولا عن التدخين قبل البدء في استخدام العلكة، والتوقف عن استخدام العلكة بعد 12 أسبوعا. ونحن نعلم أن أوباما كان لا يزال يدخن خلال الشهر التي تلا تصريح طبيبه بأنه يستخدم تلك العلكة، وذلك لأنه قال بنفسه هذا كثيرا. وحتى إن كان قد دخن آخر سيجارة له في 28 مايو (أيار) ـ أي في اليوم الذي سبق تصريح طبيبه بأنه يستخدم علكة النيكوتين ـ فمن المفترض أن تنقضي الـ12 أسبوعا في 20 أغسطس (آب). فهل تعتقدون أن أحدا من الصحافيين ـ منذ ذلك الحين ـ قد سأل أوباما إذا ما كانت العلكة الطبية قد أجدت نفعا معه أم لا؟ بيد أنه لا يبدو أن أحدا قام بذلك.

والآن، أنا، مثل أي شخص، أستمتع كثيرا بتلك الحالة من السعادة التي تسبب فيها أوباما. وبدونها، كان يحتمل أن يكون هناك واقع كئيب. ولكن أين النزعة الشكوكية؟ فإذا كان أوباما قد حقق المعجزة فعليا بإقلاعه عن تدخين السجائر في أوج السباق الرئاسي، فمن المفترض أن يكون سعيدا بأن يجعلنا نعلم بهذا، مما سيضفي المزيد على صورة سوبرمان التي حفرناها له في مخيلتنا. لكن، ماذا إن لم يقم بهذا؟ حسنا، إذا كان صريحا معنا منذ البداية، فسيتعين علينا مسامحته، لكنه لن يكون سوبرمان، ولا نحن أيضا. وفي الديمقراطية، من الجيد للحاكم والمحكومين أن يعلموا أن لديهم ما يتشاركون فيه. علاوة على ذلك، ففي ظل الأفعال الخاطئة التي كانت لبعض الرؤساء، فإن هذه الفعلة ليست الأسوأ. ولكونه نموذجا يحتذى بين الشباب، فإن الطباع الجيدة لدى أوباما تفوق تلك العادة السيئة.

أوباما في السابعة والأربعين من عمره، وقد أشارت دراسة أخيرة للمعهد القومي للسرطان أن 49 من كل 1000 مدخن أميركي سابق من الذكور يبلغون الخامسة والأربعين قد يموتون بسبب التدخين خلال العقد المقبل، مقارنة بـ91 من كل 1000 ما زالوا يدخنون. وإذا كان أوباما لا يزال يدخن، فإنه يضاعف بذلك فرص وفاته المبكرة. وبالطبع، فإنه بذلك يزيد من خطورة أن يصبح رئيسا أيضا. أما إذا كان ضمن الحالة الأولى (أي أنه قد أقلع عن التدخين) فهذا شأنه.

وهناك سؤال آخر، ما هو تأثير حاجة الرئيس لتدخين سيجارة، ومحاولته للإقلاع عن هذه العادة على متوسط عمرك وعمري؟ الهدوء الشديد الذي يتحلى به أوباما يعد من مصادر القوة في بلادنا. ومن ثم فإذا كان الرئيس في حاجة لتدخين سيجارة من حين لآخر، فلنقدم له مطفأة السجائر، ونعطيه عود ثقاب، ثم ننظر إلى الناحية الأخرى.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»