ترتيب البيت وترتيب الأولويات

TT

يتسلم الرئيس الأميركي المنتخب، باراك أوباما، البيت الابيض «رهين محبسين»: إعادة ترتيب البيت الداخلي ـ إن لم يكن إعادة انتاج الدولة برمتها ـ وإعادة ترتيب أولويات واشنطن في الخارج.

إلحاحية تنظيف البيت الداخلي لا بد ان تستأثر بأولويات الرئيس المنتخب، وتزيد من دقتها العملية ضرورة خروج الاقتصاد الاميركي من أسوأ أزماته منذ العام 1929 بأقل الخسائر الممكنة، خصوصا ان تداعيات هذه الازمة باتت تستوجب إعادة ترسيم «خطوط التماس» بين الدولة والسوق، كما يوحيه الجدل الدائر حول تعويم شركات السيارات الأميركية أو تركها تواجه قوى السوق بمفردها.

إلحاحية الوضع الاقتصادي الداخلي قد تدفع عملية إعادة ترتيب اولويات واشنطن الخارجية إلى المرتبة الثانية من الاهمية، باستثناء «الحالة العراقية» التي تعهد باراك أوباما، في معركته الانتخابية، بانسحاب مبكر من العراق وحلها.

إذا صح اعتماد أدبيات حملة الانتخابات الرئاسية مؤشرا مبدئيا لأولويات الادارة الديمقراطية الجديدة، يمكن التوقع بأن الحالة العراقية سوف تليها، بالاهمية، ملفات افغانستان وايران وروسيا.

قد يكون من المبكر تلمس صورة «شرق أوسط أوباما» وإن كان سيختلف حتما عن «شرق أوسط بوش» أو ما سمي يوما بالشرق الاوسط الجديد إبان عز المحافظين الجدد في واشنطن. ومن المبكر أيضا معرفة ما إذا كان «الارهاب» سيظل العنوان الجامع ـ الشامل لكل أزمات المنطقة في قاموس الدبلوماسية الاميركية الجديدة أم أن الرئيس المنتخب سيتخطاه إلى «الفروع»، أي التعامل المباشر مع النزاعات حسب معطياتها الخاصة، وفي مقدمتها النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي الذي تدرك واشنطن أنه أصبح المحرك الابرز للمشاعر المعادية للولايات المتحدة في العالمين العربي والاسلامي.

مواقف أوباما المعلنة حيال القضية الفلسطينية، في سياق حملته الانتخابية، تبرز تقديمه تعهدين أساسيين: الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لاسرائيل، والعمل على تحقيق اقتراح بوش للدولتين الفلسطينية والإسرائيلية.

ورغم ان البعض يعتقد أن تعهد أوباما الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة للدولة الاسرائيلية يندرج في سياق المزايدة على تبني منافسه، جون ماكين، مطالب اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، فإن تجاوب أوباما مع الضغوط الصهيونية لا تشجع على توقع اطلاقه مبادرة شرق اوسطية منصفة للجانب الفلسطيني.. إلا بقدر ما قد يتوصل إليه مستشاره دنيس روس ووزيرة خارجيته المتوقعة، هيلاري كلينتون، من مساع لتحقيق تقدم ما على صعيد التسوية لا يرضي الفلسطينيين بالكامل ولا يغضب الإسرائيليين بالمقابل. وحتى في هذه الحالة يبقى التقدم في أي تسوية رهن ما ستسفر عنه الانتخابات الإسرائيلية المقبلة من ترجيح لكفة حزب الليكود أو حزب كاديما في تشكيل الحكومة المقبلة.

المائة يوم الأولى في مسيرة عهد أوباما قد تحسم ما إذا كان سينخرط فورا في عملية السلام أم أنه سيتعامل معها على طريقة سلفيه، علما بان الانخراط المبكر بها يشكل، بحد ذاته، مؤشرا مهما لجدية المسعى الأميركي، خصوصا أن بعض المحللين السياسيين يعزون فشل مبادرة السلام المتكاملة للرئيس الأسبق بيل كلينتون، إلى «توقيت» تقديمها في الأيام الأخيرة من ولايته الأمر الذي حرمها من «ثقل» لموقف لعهده منها. وهذا الخطأ كرره، عمدا أو صدفة، الرئيس جورج بوش الذي ترك، بدوره، الاهتمام باقتراحه لتسوية الدولتين المتعايشتين بسلام على أرض فلسطين الى آخر شهور ولايته.

في هذا السياق تبرز أهمية دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للرئيس الأميركي المنتخب الانخراط فورا في عملية السلام في الشرق الأوسط، فأي مؤشر جديد على رغبة البيت الأبيض في إبقائها في المراتب الدنيا لدبلوماسيتها الشرق أوسطية قد يعني السير على خطى السلفيين السابقين، وربما تركها لآخر أيام ولاية باراك الثانية ـ لا الأولى ـ وبالتالي الاكتفاء «بإدارة الأزمة» على مدى الثماني سنوات المقبلة.. علما بان مجرد تفكير أوباما في ولاية رئاسية ثانية يجعله أكثر استعدادا للتجاوب مع المطالب الإسرائيلية.