انهار كل شيء

TT

قضيت ظهيرة يوم الأحد الماضي ممعنا التفكير في مقال رائع بصحيفة «نيويورك تايمز» كتبه إريك داش، وجولي كريسويل عن «سيتي غروب». قد يكون إمعان التفكير ليس بالكلمة الصحيحة. وتركني المقال ـ الذي وُضع في الصفحة الأولى ـ وعنوانه «سيتي غروب يدفع ثمن اندفاعه نحو المخاطرة» فعليًا والإحساس بالاشمئزاز يعتريني كليةً.

لماذا؟ لأنه سرد تفاصيل كشفت كيف أن أناسا من أكثر مديري المصارف تقاضيًا للرواتب الكبيرة بمثابة حمقى يتقاضون رواتب باهظة، كما أنهم لم تكن لديهم أدنى فكرة عما يقومون ببيعه، أو أنهم كانوا بجشع يؤمنون بمبدأ غلبة المصالح الذاتية، حيث علموا بوقائع الأمور إلا أنهم تغاضوا وغضوا الطرف عنها، ومع ذلك لم يكن مديرو المصارف هم وحدهم هكذا. لقد تضمن الإخفاق المالي انهيارًا قوميًا واسع النطاق في المسؤولية الشخصية، واللوائح الحكومية، والقيم المالية.

وأدلى الكثير من الأشخاص بدلوهم في هذا الإخفاق والأزمة المالية الحالية: فمنهم أناس ما كان يجب لهم شراء منازل، ومع ذلك أقدموا على شرائها ولم يقدموا أية نقود أو مدفوعات على مدار عامين، وأناس ما كان يجب لهم الدفع بمثل هذه الرهون العقارية؛ إلا أنهم حققوا ثروات من القيام بذلك، وأناس آخرون ما كان يجب لهم تحويل هذه القروض إلى أسهم ثم بيعها إلى طرف ثالث، كما لو كانت سندات من فئة AAA، إلا أنهم صنعوا ثروات أيضًا من فعل هذا، وأناس ما كان يجب لهم بيع هذه السندات ووضعها في بيانات الموازنة، ومن ثم يمكنهم جني عائد أفضل قليلاً من تلك العمليات، وحقق هؤلاء الأفراد أيضًا ثروات طائلة من القيام بهذا.

وكانت مجموعة «سيتي غروب» من المتورطين في مثل هذه الأعمال، وحققت أموالاً جراء القيام بذلك، بل تقريبًا من كل حلقة في هذه السلسلة. وكان مديرو البنوك ومنهم ـ وللأسف ـ روبرت روبين، وزير الخزانة السابق، يجهلون تمامًا مدى خطورة السندات المالية الطائشة التي أوجدوها، أو أنهم وقعوا في شرك صداقة مديري تقييم المخاطر في البنوك، والمخاطرون بالتالي لم يكن لديهم أي اهتمام بإيقاف هذه العمليات.

إن تلك الفئة من الأشخاص هي من قدم لهم دافعو الضرائب يوم الاثنين الإنقاذ المالي لتسوية أوضاع ما قد يزيد عن 300 مليار دولار. ومع ذلك، قد لا يكون لدينا أي خيار سوى القيام بهذا، فترك «سيتي غروب» عرضة للانهيار قد تكون توابعه كارثية ومدمرة. ولكن عندما تنضم الحكومة إلى خطة الإنقاذ المالية التي من الممكن أن ينتهي بها الحال إلى بلوغ مئات مليارات الدولارات في غضون 48 ساعة، فإن بإمكانك المراهنة بأنه سيكون هناك الكثير والكثير من التبعات والعواقب غير المتعمدة. ويمكنك أيضًا مراجعة مقال مايكل لويس الرائعة تحت عنوان «نهاية ازدهار وول ستريت» على موقع Portfolio.com، حيث قدم لويس في مقاله لمحة عن بعض الأشخاص الجديرين بالاحترام في وول ستريت ممن حاولوا كشف تلك المهازل الحادثة في العمليات الائتمانية ـ ومنهم ميرديث وايتني، المحللة البنكية المغمورة ـ التي أعلنت منذ عام مضى أن «سيتي غروب أساء إدارة شؤونه وأنه يحتاج إلى تخفيض إيراد أسهمه المالية وإلا سيواجه مغبة الإفلاس»، وذلك حسبما أورد لويس.

وأضاف لويس: «إن هذه المرأة لم تكن تقول إن مديري مصارف وول ستريت فاسدون، بل كانت تقول إنهم أغبياء. وكانت رسالتها واضحة للغاية. وإذا كنت تريد فعليًا معرفة قيمة شركات وول ستريت، بإمكانك إلقاء نظرة متمعنة في الأصول الرخيصة المعدومة التي اشتروها بمبالغ باهظة من الأموال المقترضة، ولتتخيل ما الذي ستجلبه في حالة بيعها بعد أن أجهزت عليها النيران.. وفي عام أفضل من الذي نحن فيه الآن، ردت وايتني على مزاعم مديري البنوك والسماسرة بأنهم وضعوا مشاكلهم الحالية خلف ظهورهم في ظل انخفاض قيمة الأصول الحالية، أو زيادة رأس المال بزعمها: أنتم مخطئون. أنتم لم تروا بعد كيف أسأتم إدارة أعمالكم».

كما تعقب لويس أيضًا آثار ستيف إيسمان ـ مستثمر صندوق التحوط الذي فحص أخيرًا الرهون العقارية وأوجز أسماء الشركات المنخرطة فيها ـ ومنها «لونغ بيتش فايننشال» المملوكة لـ«واشنطن ماتشوال».

وكتب لويس: «كانت لونغ بيتش فايننشال تقوم بتحويل الأموال إلى الخارج بأسرع ما يمكن، وكانت تطرح القليل من الأسئلة بشأن ما يتعلق بالقروض التي تأسست للتدمير الذاتي. وكانت تتخصص في مطالبة مالكي المنازل بالائتمان المتعثر وليس هناك أي دليل لتسجيل عدم وجود أي أموال وتأجيل مدفوعات الفائدة طويلاً قدر الإمكان. وفي بيكرزفيلد في كاليفورنيا، تم إقراض رجل مكسيكي يعمل على جني ثمار الفراولة بدخل 14 ألف دولار في العام الأموال التي احتاجها لشراء منزل بقيمة 720 ألف دولار. وتابع لويس أن إيسمان علم أن مقرضي الرهون العقارية قد يكونون سيئي السمعة، «ما قلل من قدره كانت المشاركة الكلية غير المخجلة للطبقة العليا في جريمة الرأس مالية الأميركية...» ويقول إيسمان «لطالما سألنا نفس السؤال، أين كانت وكالات التصنيف من كل هذا؟ ودائمًا ما كنت أنال نفس ردة الفعل. ألا وهي الابتسام» وقد اتصل بـ«ستاندرد أند بورز» وسألهم ما الذي يمكن أن يحدث للمعدلات المتأخرة إذا ما انخفضت فعليًا أسعار العقارات. ولم يستطع الرجل الذي أجاب في «ستاندرد أند بورز» قول إن النموذج الذي يستخدمونه لأسعار المنازل ليست لديه قدرة على قبول الأرقام السلبية. «وكل ما يقومون به هو افتراض أن أسعار المنازل ستحافظ على صعودها». وهذا ما جنيناه من جراء هذا: انهيار شبه كلي في المسؤولية في كل حلقة من سلسلتنا المالية، والآن إما أن نقدم الدعم الطارئ لإنقاذ من وضعونا في هذا الوضع الراهن أو مجابهة الانهيار الكلي. إن ذلك هو عاقبة خطايانا، وقد كنت أقول دومًا سيدفع أطفالنا ثمن ذلك غاليًا. ولكنها مشكلتنا نحن في الحقيقة، فعلى مدار السنوات القليلة المقبلة، سنضطر جميعًا إلى العمل بجد أكبر، لكن بالقليل من الأموال، والقليل من الخدمات الحكومية إذا ما حالفنا الحظ.

*خدمة «نيويورك تايمز»