ديوك سولجنتسين

TT

هناك سر يعرفه الجميع ولا يتغير مع العقود: كلما كبر الكاتب عاد الى طفولته ويفاعه. لماذا؟ لا أدري. ولكن هناك جملة شهيرة لفولتير قالها عندما تقدم في السن «هيا. كل منا الى حديقته». فالحديقة والورود والشجر هي الرفيق الوحيد الذي يحتمل كل هذا الشعور بالوحدة.

اقرأ كتابا للفرنسي البارع جان دورمسون، لعله يحمل الرقم 20، عن عمه طوطو وعن عمه الكسندر وعن عم ثالث لم يكن يساوي شيئا. ربما لم يعد شيء لدى دورمسون لم يكتب عنه. هيا الى الحديقة. الطفولة والجارة والعم الذي أحب والعم الذي لم يحب. لا. ليس سيرة ذاتية على الإطلاق، وإنما حواش كان يمكن الاستغناء عنها.

وثمة كتيب لألكسندر سولجنتسين صدر على الأرجح بعد وفاته. لكن دور النشر الفرنسية لم تتعلم حتى الآن أن تدون تاريخ النشر أو أن تلتزم بمبدأ فهرس الأعلام. هذا تقليد أنكلوسكسوني عريق لم يدخل ثقافة النشر الفرنسية رغم جبالها من الآداب والشعر والفكر.

كنا نعرف أن الديك يصيح في الفجر، من أغنية سيد درويش «الديك بيصيح كوكو كوكو» الى الشعار الذي رفعته «النهار» منذ تأسيسها «كلما صاح الديك طلع النهار». ولم يكن أصدقاء الأستاذ غسان تويني يحتارون في السفر بماذا يعودون له من هدية. يكفي أن تعثر على ديك من البرونز أو النحاس أو الآجر حتى تحمله ويضاف الى مجموعة الديوك التي تملأ مكاتب الأستاذ.

بقي صياح الديك مرتبطا بالفجر الى أن قرأت مجموعة سولجنتسين الأخيرة «جرس كاليازين» التي يتحسر فيها على أيام القرية وزمانها قائلا ان «ثمة أجيالا كاملة لم تسمع في حياتها أصوات الديوك المتصايحة في عز الظهيرة، يقاطع واحدها الآخر. نادرا ما يمكن ان تكون النفس مطمئنة الى هذا الحدّ».

هل هو الطقس؟ هل يتأخر الفجر في روسيا حتى الظهيرة وينجلي عتم سيبيريا الطويل؟ أليست بلد التطرفات هذه الروسيا؟ عتم بلا نهاية ونهار صيفي لا تغيب شمسه إذ يأتي حزيران وتنتصف السنة في شهرها السادس؟ أم ان هذا حال الدول الهائلة المساحات، وروسيا لا تزال اكبرها. تخيل لو بقيت لها الجمهوريات. أو لم تبع ألاسكا الى أميركا، أيام كانت لا تزال أراضي الغير تباع للغير، كما باع نابوليون ثلاث ولايات الى ذات الولايات الخمسين. هذه بلاد لا يختلف فيها موعد صياح الديكة فحسب، بل مواعيد الشروق والغروب. وفي حال لا يكف الكتاب عن العودة الى حدائقهم وأراضي الطفولة واليفاع. فقد كانت أكثر سعة. وكلما اشتد العصر والانقباض بحث الكتّاب عن فسحاتها.