قائدان لسفينة تسير على غير هدى

TT

بدأت أشعر أن الوضع في وجود رئيسين يبدو وكأنه لا يوجد رئيس البتة، وهذا هو الموقف الذي سنواجهه حتى يوم تولي الرئيس المنتخب منصبه رسميا. ليساعدنا الرب.

لقد أمضى الرئيس بوش أخيرا في ليما (بيرو)، الوقت في اجتماع منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي، يتباحث مع زعماء الدول المطلة على المحيط الهادي الذين لا يجدون سببا للاهتمام بأي شيء قاله. ولكنه بدا أنيقا للغاية في العباءة البيروفية التقليدية. وعاد بوش إلى البلاد، من دون العباءة، ليمنح موافقته لوزير الخزانة، هنري بولسون، لإجراء أحدث عملية إنقاذ للاقتصاد العالمي من الانهيار التام، وكانت هذه المرة من أجل إنقاذ كبير لسيتي غروب.

وبعد عدة ساعات، قدّم الرئيس الآخر باراك أوباما فريقه الاقتصادي الجديد الذي يتمتع بقدرة عالية. واعتنى أوباما بالتأكيد على أن المسؤولين الجدد، بقيادة تيموثي غيتنر، سيبدأون العمل على الفور. وأوضح أيضا أنه ليس في استطاعتهم الكثير ما عدا مراقبة الوضع الحالي ودراسة الحلول الممكنة ووضع خطة للبدء في تنفيذها بعد 20 يناير (كانون الثاني). وقال أوباما إنه «لا يمكننا تحمّل شهر آخر من السير على غير هدى. ولكني أخشى من أن ذلك ما يحدث لنا».

وتكمن المشكلة، التي تتزايد خطورتها، في أنه لا يوجد شخص مستعد لصياغة برنامج شامل يحقق استقرارا للنظام المالي، ووضع حد أدنى لأسعار العقارات، ومنع الاقتصاد من الانغماس في ركود قاس طويل.

ويستطيع بوش أن يفعل ذلك، بل يجب عليه أن يفعل ذلك، فما زال رئيسا، ويمثل منع الانهيار الاقتصادي جزءا من مهام وظيفته. ولكنه لن يفعل. ومن المثير للسخرية أنه بعد أن كان صاحب القرار قويا ويتخذ قرارات استباقية في مجالات أخرى، أصبح مترددا وسلبيا إزاء الوضع الاقتصادي. لقد اختزل دوره في التوقيع على أي شيء يقول بولسون إنه ضروري، وأخيرا، منح 20 مليار دولار نقدا و306 مليارات دولار في صورة ضمانات لسيتي غروب، وهي الخطوة التي يبدو أن بوش أقرها أثناء عودته بالطائرة من بيرو.

ويعود التراخي الذي يتصرف به بوش إلى حد ما إلى الآيديولوجية التي يتبعها. فإذا كانت نظرية السوق الحرة دائما على صواب، فيفترض بالأسواق أن تصحح ذاتها لتعود إلى مسارها الصحيح. وكل ما تحتاج إليه الحكومة بالفعل هو الاهتمام ببعض الحالات الطارئة مثل بير ستيرنز وفريدي ماك وفاني ماي وإندي ماك وأميركان إنترناشونال غروب وواتشوفيا وسيتي غروب...، وبالطبع كل ما يأتي بعد ذلك، ولكن ليست شركات السيارات. وفي عالم بوش، تسمو أدبيا الشركات التي تسببت في الأوراق المالية السيئة المدعومة من الرهون العقارية والتي تهدد بانهيار النظام المالي العالمي على الشركات التي تصنع سيارات موستانغ وماليبو والسيارات الصغيرة.

ولكني لا أعتقد أن الآيديولوجية تفسّّر كل شيء. وحتى إذا كان يريد أن يقوم بخطوة حقيقة لإصلاح الاقتصاد، ففي هذه المرحلة لا يتمتع بوش بالقدرة ولا المصداقية التي تمكنه من تحقيق ذلك. وبصراحة، يظهر بوش وكأنه أضاع فرصه في النجاح أكثر من كونه غير قادر على اتخاذ قرارات في نهاية فترة رئاسته. ويبقى الرئيس الآخر، الذي يتمتع بالقدرة والمصداقية، ولكنه بدون سلطة. وقد صرح بوش أنه اتصل بأوباما لإبلاغه بخطة إنقاذ سيتي غروب، ولكن الإبلاغ ليس مثل المشاورة. وقد صرح أوباما أن فريقه الاقتصادي الجديد سيراقب الموقف ويقدم له تقارير يومية عن الموقف الحالي. ويمكنه أن يوفر عليهم الجهد ويكتفي بمشاهدة قناتي «سي إن بي سي» أو «بلومبيرغ» طوال اليوم. وقال أوباما إنه يعتقد أن هناك حاجة إلى خطة تحفيز اقتصادي كبرى «على الفور». ولكنه يعرف أن ذلك لن يحدث، فمن غير المحتمل أن يتم تمرير أية قرارات قوية على نحو كاف من الكونغرس المنتهية ولايته، وعلى أية حال، فإن خطة تحفيز اقتصادي كبرى ليست الخطة التي يرغب بوش في تأييدها. وصرح أوباما أنه «ليس في وسعنا التردد وليس في إمكاننا التأخير»، ولكنه يعرف جيدا أن التردد والتأجيل أمر حتمي. ويعرف جيدا أنه عندما يتولى الحكم، ربما يكون الوضع الاقتصادي أسوأ كثيرا مما هو عليه الآن.

وقد قدم جيمس بيكر، وزير الخارجية الأسبق والعضو الجمهوري المؤثر، اقتراحا مفاجئا في برنامج «مع الصحافة»، بأن يضع بوش وأوباما برنامج إنقاذ اقتصادي مشترك ويعلنا عنه. وكان ذلك اعترافا مدهشا بمدى الضعف الذي آلت إليه رئاسة بوش، ومدى الخطورة الكامنة في تمضية الشهرين المقبلين ونحن ننتقل من أزمة إلى أخرى. ولكن هذا هو الطريق الذي نسير فيه الآن. وعندما شعرت بالإحباط من تخبط بولسون وتراجعاته، وقراراته المفاجئة لشراء شركات كبرى أو كتابة شيكات بمئات المليارات من الدولارات، قلت لنفسي إنه ليس لديه رئيس يعمل لصالحه. وربما يتعثر الرجل المسكين هنا وهناك، ولكنه يعمل بأسرع ما يمكنه.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»