خيارات مؤلمة في غوانتانامو

TT

تولى وزير الدفاع روبرت غيتس منصبه وهو يريد أن يغلق عمليات الاعتقال الأميركية في خليج غوانتانامو في كوبا. وبعد عامين تقريبا، ما زال معتقل غوانتانامو موجودا. وصرحت وزيرة الخارجية كونداليزا رايس بأنها تريد غلقه أيضا، ولكن المعتقل سيظل موجودا بعد أن تترك منصبها. ولكن وأنت ترقب زهوة الانتصار لدى الحزب الديمقراطي في أعقاب الانتخابات، قد تفكر في أنه لا فرق بين استمرار وإغلاق غوانتانامو. وقد أكد الرئيس المنتخب باراك أوباما على تعهده خلال حملته بإغلاقه، وتحدث بعض من يقولون أنهم مستشارون وكأنه سيلوح بعصا سحرية في 20 يناير (كانون الثاني) لتتبخر المشكلة التي تقلق البلاد منذ 7 أعوام. لن يكون غلق غوانتانامو أمرا سهلا، على الأقل إذا كان أوباما يعني تغيير مضمون سياسة الاعتقال الأميركية بدلا من مجرد تغيير موقعه جغرافيا. بالتأكيد، يستطيع أوباما أن يفي بوعده بمجرد نقل المعتقلين إلى منشأة أخرى بينما يستمر في احتجازهم «كمقاتلين أعداء»، وحينئذ يصبح التحدي الذي يمثله إغلاق غوانتانامو مجموعة من القضايا اللوجستية والإدارية. ويكمن حل مشكلة غوانتانامو في اتخاذ قرارات مهمة تتعلق بسياسة الاعتقال المرتبط بمكافحة الإرهاب على وجه أكثر شمولا. متى يجب على الولايات المتحدة المشاركة في عمليات اعتقال وقائية للمشتبه فيهم في قضايا الإرهاب؟ وإذا فعلت ذلك، وعندما تفعل، هل عليها أن تعاملهم كمقاتلين أعداء بموجب قوانين الحرب أم بموجب قانون آخر، ربما يكون تشريع توقيف جديد؟ وما هي الحقوق التي يجب أن يتمتعوا بها؟ وما هي الأدلة التي يجب على الحكومة أن تقدمها ضدهم، وما هو المعيار لهذه البراهين وما نوع المحاكم التي ستعرض عليها؟

وعلى الرغم من أن الفكرة التي طرحها بعض أعضاء معسكر أوباما من أن غلق غوانتانامو يحتاج إلى إرادة فقط، لا يمكن أن يكتفي أوباما بالأمل في إبعاد تلك الأسئلة. في الحقيقة، إنها صعبة الإجابة إذا لم تتوفر مراجعة نظامية دقيقة للمعتقلين أنفسهم، وللمعلومات السرية الواردة عن كل معتقل. ولن تجري هذه العملية على الفور، إذا أردنا أن تتم على الوجه الصحيح.

وهناك ثلاثة مجموعات رئيسية للمعتقلين في غوانتانامو، كل مجموعة تمثل مشاكل واضحة في السياسات. في البداية، هناك المعتقلون الذين قد يحالوا إلى المحاكمة. يرى معظم الأشخاص أن المحاكمة الجنائية أفضل وسيلة لتحديد المشتبه فيهم في قضايا الإرهاب ولتبرير اعتقالهم لفترات طويلة. ويرى البعض أن المحاكمة هي الوسيلة الشرعية الوحيدة لسجن أعداء أميركا. ولكن ما هو حجم المجموعة التي من الممكن توجيه اتهامات لها؟ وإلى أي مدى يعتمد حجم هذه المجموعة على نوع المحكمة التي ستحيلهم الحكومة لها؟ هل يصبح عدد المعتقلين في هذه المجموعة أقل بكثير إذا أحالتهم أميركا إلى محاكم فيدرالية أو محاكم عرفية من عددهم إذا استمرت في إحالتهم إلى محاكم الرئيس بوش العسكرية التي نالت قدرا كبيرا من السخرية؟ وبدون أن نعرف إجابات لتلك الأسئلة، لا يمكننا أن نقيّم التكاليف والفوائد الناتجة عن خيارات المحاكم الأميركية بدقة.

ثانيا، تمت تبرئة 60 معتقلا تقريبا ومن المفترض الإفراج عنهم أو نقلهم من غوانتانامو، ولكنهم ما زالوا هناك بسبب مخاوف من تعرضهم للإساءة على أيدي حكوماتهم. هل يجد أوباما سهولة أكثر من بوش في إقناع دول تمثل طرفا ثالثا بقبول هؤلاء المعتقلين، وخاصة إذا قبل بوجود قلة منهم في الولايات المتحدة؟ ربما يكون هذا هو الوضع الحالي، ولكن بدون تدخل دبلوماسي جاد في هذه المسألة، لا يمكننا أن نعرف ببساطة مدى الصعوبة التي ستكون عليها المشكلة. ويثير الحكم الذي أصدره قاضي فيدرالي بأن خمسة من بين ستة معتقلين في قضية واحدة تم احتجازهم بطريقة غير قانونية تساؤلا إضافيا حول عدد المعتقلين الذين يجب الإفراج عنهم حقا.

ثالثا، وهي النقطة الأكثر إزعاجا، ان هناك معتقلين يمثلون خطرا كبيرا يجعل الإفراج عنهم غير ممكن، ولكنهم لا يواجهون اتهامات جنائية. ويتوقف شكل سياسة أوباما في النهاية على عدد المعتقلين المدرجين في هذه المجموعة. وربما يرجع السبب في عدم إمكانية محاكمة معتقلين يشكلون تهديدا كبيرا للأمن القومي إلى عوامل متعددة: بسبب نقاط عجز في القانون الجنائي الذي كان ساريا عام 2001، وبسبب عدم إمكانية إثبات الأدلة الواردة ضدهم في المحكمة، ولأن الحكومة ربما لا تمتلك أدلة كافية للإدانة أو لأنها حصلت على دليل أساسي عن طريق الإكراه. وإذا كان هناك القليل فقط من هؤلاء المعتقلين، وتبدو السيطرة على الخطر الذي يمثلونه ممكنا، فعلى من يدافع عن نظام الاعتقال الوقائي منا أن يعيد النظر في موقفه. وفي المقابل، اعترف بعض المدافعين عن حقوق الإنسان أنهم قد يعيدوا النظر في معارضتهم المطلقة للاعتقال الوقائي إذا كان عدد المعتقلين الذين يندرجون تحت هذه المجموعة كبيرا وإذا كان الخطر الذي يشكلونه لا يمكن تجاهله. في الوقت الحالي، يمكننا فقط أن نخمن حجم هذه المجموعة.

وخلاصة القول، إن معرفة من يكون كل معتقل بالفعل أمر بالغ الأهمية. ولن يطبق شخص سياسة تتعلق بغوانتانامو بدون دراسة المعتقلين بدقة ويفكر جيدا في هذه الأسئلة إلا إذا كان مناصرا لفكر معين، ولا يوجد في أوباما ما يشير إلى كونه كذلك. ومن المثير للاطمئنان أن نؤكد على أن هذه الحالات لا تمثل توترا بين احتياجات أميركا وقيمها. ولكن هذا الحكم سابق للدراسة وربما يكون خاطئا. وعلى المدى القريب، يظلم ذلك الرأي الحكومة المنتهية ولايتها، التي حاول العديد من مسؤوليها الحاليين والسابقين الإجابة على هذه الأسئلة على مدار سبعة أعوام، كما أنه يسيء إلى الحكومة المقبلة، التي سترث أزمة المعتقلين الذين يتحدون أصحاب الشعارات والذين يتطلب التعامل معهم اتخاذ خيارات مؤلمة وإجابات غير سهلة.

* مدير أبحاث القانون العام في معهد بروكينغز، ومؤلف كتاب «القانون والحرب الطويلة: مستقبل العدالة في عصر الإرهاب»

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»