رحيل صحافي القلب المفتوح

TT

نرصد في هذه المهنة فواجع الناس كأخبار، هذا في تلك الصفحة، وهذا في الصفحة الأخرى، حتى يردنا خبر عن صديق أو زميل عزيز، فنقف مصدومين، عاجزين عن الحديث، وكل ما نملكه الذكرى.

بالأمس فقدنا صديقا عزيزا هو الصحافي السوداني حسن ساتي، الذي عرفه قراء صحيفة «الشرق الأوسط» من خلال تميزه وتخصصه في تغطية الوثائق البريطانية، التي سبرت لنا أغوار مراحل مهمة من تاريخ منطقتنا السياسي.

كانت للزميل حسن ساتي، رحمه الله، مقدرة على أن يغرق في أكوام تلك الوثائق وتحويلها إلى قصة صحافية مشوقة. كما كانت لديه مقدرة على كتابة البروفايل الصحافي لشخصيات سياسية، وخصوصا ساسة القرن الافريقي. مع مقدرة على ترجمة وانجاز حلقات مطولة من الكتب السياسية المهمة، التي نشرت في صحيفتنا.

غادر حسن ساتي، رحمه الله، صحيفتنا أول هذا العام، بسبب رغبته العودة إلى السودان، حيث أصبح رئيس مجلس ادارة لصحيفة سودانية جديدة، مع اتفاق على أن يستمر معنا في تغطية الوثائق البريطانية في مواعيد محددة.

كان أبو وضاح صحافيا قلقا، خفيف الظل. يبدأ نقاشنا محتدا وينتهي بالضحك، لكن من الصعب وضع قوانين للاشتباك معه، فدائما ما يفاجئ من حوله. فعلها ذات يوم بحضور مسؤول عربي زار الصحيفة، فأسقط بأيدي جميع الحاضرين، ولكن مرت يومها الأمور بسلام.

وهناك قصة دائما ما أرويها للأصدقاء عن موقف حدث مع أبي وضاح رحمه الله. ففي بداية استلامي للصحيفة طالبني بمنحه فرصة للسفر أكثر، وحضور المناسبات، هنا وهناك، ولم تكن معرفتنا الشخصية قد تعمقت.

وعدته خيرا، إلا أنني فوجئت به في منتصف اليوم نفسه يدخل علي مكتبي وهو محتد، ويشكو من أنه قد تم تكليفه بكتابة بروفايل عن شخصية سياسية، وكان يعتذر بسبب ضيق الوقت.

عندما تأكد وقتها من اصراري على تكليفه كتابة البروفايل قال لي بهدوء، ولكن كانت ملامحه تحمل دراما ما زالت عالقة بذهني «شوف يا أستاذ أنت شاب ما شاء الله، وقدامك العمر.. لكن لا بد أن تعرف أنا رجل مصاب بأزمتين قلبيتين».

كدت انفجر ضحكا، ورددت عليه بهدوء «هل تعرف ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي يا أستاذ حسن»؟ فرد مسرعا «الله.. طبعا»! قلت له «تشيني مصاب بثلاث أزمات قلبية، والرابعة تغازله، وما زال يقوم بعمله ويخطط للمعارك بكل هدوء، وبالتالي إذا ما تعرضت للأزمة القلبية الثالثة مثله فسأعيد النظر بمواعيد عملك».

لحظتها انفجر غضبا «إيه دا.. إيه دا؟ إنت زول ما تخاف الله». غادر المكتب وكتب يومها بروفايل رائعا، ومن بعدها أصبحت علاقتنا محكومة بود كبير، لا يخلو من اشتباك وضحك!

ورغم شكواه الدائمة رحمه الله من المرض، وهو الذي مر بعمليات جراحية، وآخرها كانت عملية مفتوحة بالقلب، إلا أنه كان أكثر من يهمل صحته. كان رجلا محبا للحياة، وبقلب منفتح.

رحمه الله رحمة واسعة.

[email protected]